قصة صهيب الرومي في "القرآن الكريم"
هي قصة عظيمة للتضحية والإيثار من أجل دين الله .. رجل باع الدنيا واشترى الآخرة ، فأنزل الله في وصفه قرآنا يتلى إلى يوم الدين .. إنه صهيب الرومي الذي قال فيه الله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ، وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} ..[سورة البقرة] .وصهيب الرومي كان صحابي جليل من بني النمر، عاش بداية حياته منعمًا مرفهًا في العراق في قصر أبيه الذي كان حاكماً على الأُبُلَّة (إحدى بلاد العراق) ، وذات يوم أغار الروم عليهم ، فأسروا أهلها وأخذوا الأطفال والنساء عبيداً ، وكان صهيب ممن أُسروا ، وعاش وسط الروم وتعلم لغتهم ، ونشأ على طباعهم ، ثم باعه سيده لرجل من مكة ، فتعلم من سيده الجديد فنون التجارة ، حتى أصبح ماهراً فيها ، ولما رأى سيده فيه الشجاعة والذكاء والإخلاص في العمل ، أنعم عليه وأعتقه ، فاشتغل بالتجارة لحسابه الخاص وأصبح تاجراً ثرياً .
وعندما بعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسمع صهيب بدعوته أراد أن يسلم فأسرع إلى دار الأرقم وأعلن إسلامه ، وحينها كناه الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بـ "أبا يحيى" .
وفي الهجرة تجلت أسمى معاني التضحية من صهيب ، فحينما أراد صهيب الهجرة من مكة إلى المدينة تبعته قريش لتمنعه ، فنزل عن راحلته ثم قال : يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً ، وأيم الله لا تصلون إليّ حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ، فافعلوا ما شئتم ، فإن شئتم دللتكم على مالي وخليتم سبيلي . فقالوا «نعم» ، ففعل .
ووصل صهيب إلى المدينة وكان خبره مع قريش قد وصل إلى المدينة قبل وصوله ، فقد جاء أمين الوحي جبريل عليه السلام وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما فعل صهيب مع قريش وتخليه عن ثروته ، ونزلت الآية الكريمة: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) .
ولما دخل صهيب رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم هشَّ له وبشَّ وقال: "رَبحَ البيعُ يا أبا يحيى ... رَبحَ البيعُ" ، وكررها ثلاثاً ، فعلت الفرحة وجه صهيب وقال : والله ماسبقني إليك أحدٌ يارسول الله ، وما أخبرك به إلا جبريل ، وتلقاه الصحابة وهنأوه بما أنزل فيه وهم يقولون : "ربح البيع يا صهيب" ، فقال لهم : وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم .
وكان صهيب قد أصابه الرمد خلال طريقه من مكة إلى المدينة ، وكان يتضور جوعًا ، فلما وصل قباء وجد بها النبي محمد مع أبي بكر وعمر فأقبل يأكل التمر فقال النبي صلى الله عليه آله وسلم ممازحًا له : "تأكل الرطب وأنت رمد" ، فقال صهيب : إنما آكله بشق عيني الصحيحة .
فتبسم النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق