الأحد، 29 نوفمبر 2015

الأسيرة الفلسطينية

الأسيرة الفلسطينية



دنيا الوطن
اتسمت بالمرأة الحديدية ، الخارجة دائما عن المألوف، صاحبة الرقم الصعب في دنيا التحدي والنضال والمقاومة، هي الثورية، التي وقفت بجانب الرجل في الميدان، و الصامدة رغم نار السجان.. إنها الأسيرة الفلسطينية، التي امتنع عنها الخطاب؛ إما خوفاً من تعرضها للتحرش الجنسي، أو الاغتصاب، أو حتى لا يقوم الاحتلال الإسرائيلي بملاحقتهم، متناسين كل ما قدمته هذه الأسطورة من تضحيات!

"أخي فدائي، وكنت أساعده في شتى أمور جهاده، و لطالما خرجت معه هو ورفاقه، للنضال والمقاومة، واضعة نصب عيني إما النصر أو الشهادة" بهذه الكلمات استهلت الأسيرة الفلسطينية المحررة، لطفية اشتيوي، حديثها.

قطيعة الأهل :

أسرت لطفية بعمر يناهز العشرون ربيعا، وذلك بعدما أصبح أخيها مطاردا من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، لذا تم القبض عليها هي وكل أفراد أسرتها، بغرض التحقيق معهم لمعرفة أين يختبئ ابنهم، وبعدما يأس العدو من صمتهم وكتمانهم، تحفظا على مكانه، أطلق سراحهم جميعا، باستثناء لطفية، التي ظلت قابعة في سجون الأسر مدة السنتين، ذاقت بهما كل ويلات القهر والظلم.

قبل دخول لطفية الأسر كانت مخطوبة لابن عمها، الذي تزوج بغيرها، قبل أن تكمل شهرها الأول من الأسر، وعندما خرجت من أسرها استقبلها أهل بيتها استقبال الأبطال، وأحاطوها بالسعادة و غمروها بأحضان الشوق، بعكس باقي أفراد عائلتها، اللذين قاطعوا والديها بسبب أسرها، وحاولوا إرغامهم على منع ابنتهم"لطفية" من تكملة طريق المقاومة.

كانت صدمة اشتيوي بخطيبها وابن عمها كبيرة، وعند معاتبته قال لها:"لن أتزوج بفتاة أسرت، وخرجت مع الفدائيين"، كانت هذه الكلمات على نفس لطفية وجعها كطعن خنجر من أقرب الناس إليها.

لأجل فلسطين :

لم تستسلم لطفية لكلام كل من حاول إبعادها عن طريق النضال والمقاومة، فظلت تساعد أخيها بكل ما أوتيت من قوة، إلى أن استشهد، حينها عاد لها التفكير بالارتباط بزوج يحميها ويصونها، ولكن للأسف كان كلما تقدم أحد لخطبتها، ويعرف أنها كانت أسيرة في سجون الاحتلال، يتراجع عن طلبه الزواج بها، ويفر ولا يعود ثانيةً، إلى أن ذبلت زهرة شبابها بلا زواج.

تقول الأسيرة الفلسطينية المحررة، هند أبو عمشة، من بيت حانون:"أسرت في فترة السبعينات، لمدة سنة، وأنا في الرابعة والعشرون من عمري، لأنني كنت أساعد زوجي في نقل الذخائر والأسلحة، لم أبالي للحظة، ماذا ممكن أن يكون مصيري لو كشف الاحتلال الإسرائيلي أمري، فغايتي وأمنيتي كانت وما زالت هي تحرير أرضنا من يد المغتصبين".

عندما خرجت أبو عمشة من سجون الاحتلال الإسرائيلي، التف حولها كل أقربائها وذويها، واحتضنت بناتها الخمسة، ولكنها فقدت زوجها، الذي سألت عليه مستغربة عدم وجوده، لتصدم بخبر زواجه ومغادرته البلاد، واستقراره بمصر مع زوجته المصرية.

زواج مع إيقاف التنفيذ :

لم تصدق هند ما سمعت، ومن شدة الصدمة قررت الانفصال عنه، ولكنه رفض وبشدة طلبها، خالقاً لها كل المبررات لفعلته، إلى أن سامحته، كانت مواجهتهم هذه عبر اتصالات هاتفية، وعندما رضيت أبو عمشة بالأمر الواقع، فرت وهي وبناتها الخمس إلى سوريا، لأنها ما زالت مطلوبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

عاشت هند باقي سنين عمرها متزوجة على الورق فقط، فزوجها رفض أن يترك زوجته المصرية وقرر التخلي عن هند هي وبناتها، واكتفى بالاتفاق عليهن، وحرمهن من أبسط حقوقهن عليه، المتمثلة بحنان الأب واحتوائه وحمايته، وحرم أمهن الاستقرار و الأمان.

صبرت هند على مشقة الغربة وحدها، دون سند رجل يعاونها عليها، وتحملت مسئولية خمس فتيات بكل همومها وحساسيتها، وبالفعل نجحت في تربيتهن وبجدارة، وزوجتهن بأفضل الرجال.

عادت هند بعد تأديتها رسالتها على أكمل وجه، إلى بلدها الأم غزة، ومكثت في بيت بمفردها، وعاد زوجها أيضا ومكث ببيت آخر منفصل ومعه زوجته وأولاده، و على إثر جدال وعتاب دار بينها وبينه، أيقنت من خلاله أن زوجها عاقبها طول هذه الفترة، على اعتناقها طريق الجهاد والنضال، الأمر الذي جعلها لا تصدق ما سمعت، لتسأله بحرقة:"كيف لك أن تعاقبني على نضالي ومقاومتي للاحتلال من أجل فلسطين، وخاصة أنك أنت من دفعني لهذا الطريق من خلال معاونتي لك؟ ليجاوبها باستنكار:" لطالما رفضت سيرك في هذا الطريق، ولكني لم أستطع منعك".

للخيانة الزوجية وجوه أخرى :

تزوجت فريدة وهي في السابعة عشر من عمرها، لتجد نفسها بين زوج من حركة حماس، وإخوة من حركة فتح، الفريقين كانا نادرين حياتهم للجهاد و نصرة القضية الفلسطينية، وكانت هي بدورها تساعد كليهما بكافة أمور حياتهم النضالية.

لم يمضي على زواج فريدة الشهر، وقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بأسرها، وذلك حتى تستجوبها بخصوص إخوتها و مكان تواجدهم، وكيفية مزاولتهم نشاطهم الجهادي، ولكنها رفضت وبشدة إعطائهم أي إفادة عنهم.

قررت قوات الاحتلال الإسرائيلي استجواب زوجها عندما يأس من إمكانية بوح فريدة بأي معلومة تخص إخوتها، وبالفعل تم القبض عليه، وعلى حسب وصف فريدة، من أول تهديد أفشى بكل الأسرار الخطيرة التي تخص إخوتها ونشاطهم، ومكان تواجدهم.

تم أسر إخوتها واستشهاد واحد منهم، وخرج زوجها من الأسر، وظلت هي قابعة في سجون الاحتلال لمدة ثلاث سنوات، عانت خلالهما الأمرين، من ظلم وتعسف، ضرب وتعذيب نفسي وجسدي، ناهيك عن حزنها الشديد على إخوتها وما تعرضوا له بسبب زوجها.

لسنا مغتصبات :

تحررت فريدة من أسرها، وقررت الانفصال عن زوجها، فهي لم تتحمل العيش مع رجل تسبب في أذية إخوتها، وكان رد زوجها على طلبها أنه بالأساس كان سينوي فعل ذلك، فهو لا يستطيع العيش مع امرأة كانت تحت رحمة الاحتلال الإسرائيلي، بل وعايرها بأنها تعرت أمامهم، ومن غير المستبعد تم الاعتداء الجنسي عليها من قبلهم.

نفت فريدة إنها تعرضت للاعتداء الجنسي بشكل قاطع، فعلى حسب قولها كان الاعتداء لفظي ومجرد تهديدات، ولكن اعتداء بشكل تام لم يحدث أبداً لا معها ولا مع غيرها من الأسيرات في تلك الفترة التي أسرت فيها.

أنعام الصواف، أسيرة محررة، وأديبة مخضرمة، أسرت وهي في ريعان زهرة شبابها، عن عمر يناهز السابعة عشر ربيعا، تميزت بجانب مسيرتها النضالية، بجمالها، وثقافتها الواسعة، التي تعجب وتحير كل من اقترب منها.

لم يمضي على أسر الصواف سوى السبعة أشهر، كانت كفيلة بتغير مسيرة حياتها إلى يومها هذا، فعلى حسب قولها لم تتزوج وهي الآن في العقد السادس من عمرها، بسبب أسرها تلك السبعة أشهر.

غضب الأم مقابل الارتباط بأسيرة ! :

وفي هذا السياق تردف الصواف:"كنت محل إعجاب الجميع، ككاتبة وأسيرة محررة، ولكن فكرة الارتباط بي كزوجة كانت مستبعدة لديهم تماما، والذي كان يتقدم لخطبتي، بمجرد أن يعرف عن أسري، ينقلب حاله ولا يعود ثانيةً".

و من تلك القصص التي عايشتها الصواف عن أمر ارتباطها تسرد:"تقدم لي شاب كان يعرف بأمر أسري، ولم يتراجع عن طلب خطبته لي، لأنه كان بعقلية مثقفة وواعية، وكان معجب بي كثيرا، كامرأة وأسيرة ومناضلة، وبالفعل جاء هو وأمه في ليلة إلى بيت أهلي، ولكن وعلى ما يبدو لي كانت أمه آتية على مضض، ولم تتم الزيجة بسبب تهديدها له أنها ستغضب عليه في حال زواجه بي".

وتعلل الصواف موقف هذه الأم بأنها تتخوف من عدة أمور، أهمها خوفها على ابنها من ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي له، كونه مرتبط بامرأة مناضلة وفدائية، والأمر الثاني هو اعتقادها بأن كل أسيرة دخلت سجون الاحتلال تعرضت للاغتصاب، مستطردة:"وهذا غير صحيح أبدأً، فأنا مثلا لم أتعرض للاغتصاب، وكانت أقصى أفعالهم هي مجرد تهديدات بهذا الخصوص".

أسيرة محررة من نوع فريد :

ثورة، ثورة حتى النصر، حرية، جهاد، استشهاد، كله فداءا للوطن، كلمات وعبارات اعتنقتها الدكتورة مريم أبو دقة، رئيسة جمعية الدراسات النسوية التنموية الفلسطينية وعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ووضعتها في ثنايا روحها الوطنية، التي نمت وترعرعت في أحضان أسرة فلسطينية أصيلة، تهوى الحرية، وتأبى الظلم والقيد، لتكون من إحدى فدائيات فلسطين، اللواتي حفرن على الصخر، حروف أسمائهن ، ليصبحن قدوة ومنهاجا لأجيال قادمة من بعدهن.

كان من الطبيعي شخصية بتميز وقوة أبو دقة أن تلفت أنظار العدو الصهيوني إليها، وتشكل عليه خطر، فطاردها بكل ما أوتي من قوة، التي ظلت تناوره لسنوات عدة، لتحيره في كل مرة اعتقد فيها أنه بالفعل سيستطيع النيل منها، مما جعلها تكتب في قائمة المطلوبين من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكنها لم تخف، أو حتى تتراجع، بل صممت الاستمرار بخطى قوية في طريق الحرية و استرجاع فلسطين، حاملة على أكتافها هم الوطن، التي حاربت من أجله وهي في أجمل سنين عمرها، من طفولة ومراهقة وشباب، حتى أصبحت المقاومة، وطريق النضال هدفها المنشود لآخر يوم في حياتها.

كانت وما زالت أبو دقة تعيش لأجل أبناء شعبها، فاعتنت بزميلاتها بالأسر، التي قامت بلم شملهن من جديد، وأخذت على عاتقها مساعدتهم ومساندتهن في أمور حياتهن الشخصية والمعنوية، أيضاً المادية.

معا لنصرة الأسيرة الفلسطينية :

و من أهم إنجازات أبو دقة لنصرة الأسيرات الفلسطينيات، اللواتي لم يأخذن حقهن من قبل حكوماتهن وأبناء شعبهن، أنها من خلال سعيها مع مؤسسات حقوق الإنسان، نالت إثرها جزء من تلك الأسيرات تأدية فريضة الحج، وحصول جزء آخر منهن على مستحقات مالية تمكنهن من العيش بكرامة.

وبخصوص حياة الأسيرات الزوجية تقول أبو دقة:"للأسف الشديد نظرة مجتمعهن المتخلفة، أنصفتهن كمناضلات، ورفضتهن كزوجات، و بدلا من تكريمهن ومنحهن جزء بسيط من حقهن على أبناء شعبهن، أن يواصلن حياتهن مثلهن مثل أي امرأة أخرى كأم وزوجة، ولكن كانت ردة الفعل الغير متوقعة، صادمة ومحبطة.تناقض واضح!

وبخصوص نظرة المجتمع الفلسطيني بشكل عام والغزي بشكل خاص في الأسيرة المحررة تتابع أبو دقة:"مجتمعنا الفلسطيني كرم الأسيرة الفلسطينية، وجعل منها أسطورة في نضالها وشجاعتها، ولكن جزء ليس ببسيط منه يتخوف الارتباط بها كزوجة، و إن كانت هذه النظرة السلبية قلت نسبتها بشكل كبير في يومنا هذا، فهي الآن محل إعجاب الكثيرين من الشباب الواعي، المثقفف الذي يدرك دور هذه المرأة ومدى تضحيتها وشجاعتها".

وعن أسباب رفض تقبل المجتمع الفلسطيني الأسيرة الفلسطينية كزوجة تضيف أبو دقة:"سببها عدة معتقدات ومخاوف تكمن في عقولهم الرجعية، أهمها تخوفهم من تعرض تلك الأسيرة للاغتصاب، أو دخول من يرتبط بها كزوج متاهات سياسية وأمنية، مستطردة:وكأن الرجل الذي أسر لم يتعرض للتحرش الجنسي، ولم يتم الاعتداء عليه بكافة أشكال الاغتصاب التي مارسها الاحتلال على بعض الأسيرات وليس كلهن، فما ذنب تلك الأسيرة التي كانت تحت رحمة هذا الاحتلال الغاشم؟".

تؤكد أبو دقة على أهمية دعم الأسيرة الفلسطينية نفسيا، ومعنويا، وليس ماديا فقط، وذلك من خلال تكريمها، ونشر تفاصيل تاريخها النضالية، حتى يعرف أبناء شعبها، ماذا قدمت، وبماذا ضحت من أجله، لذا كانت أهم دراسات مركز الأبحاث الفلسطيني متمثلة في:1)آثار التعذيب الجسدي والنفسي البعيد المدى على الأسيرات.

2)التوافق النفسي والاجتماعي للأسيرة المحررة.

3)الواقع الاجتماعي للأسيرات المحررات.

لم أتزوج وهذه أسبابي :

كانت أبو دقة على قناعة تامة بعدم الزواج، وذلك لأنها ندرت حياتها بأكملها لنصرة أبناء شعبها، وهنا كان قرار أبو دقة بعدم الارتباط برجل بمحض إرادتها، كونها أسيرة محررة ومناضلة فريدة من نوعها، حظيت بأسرة أمدتها بكل الطمأنينة والتشجيع والحنان، أيضا عاصرت أهم رجال مروا على فلسطين أصبحوا في يومنا هذا رموزنا يستشهد بها.

كان هذا بالنسبة لها طوق الأمان التي كانت تبحث عنه، ولما الارتباط برجل يشدها للوراء، ويعرقل مسيرتها النضالية، فهي لم تكن ستخضع لرجل تقليدي يهمش من دورها القيادي والوطني.

تقدم لهذه المرأة الأسطورة الكثير من الرجال، وعلى رأسهم أمراء ووزراء وأصحاب مناصب حساسة من كافة أنحاء العالم العربي، ولكنها رفضت وبشكل قاطع، لأنها لا تتخيل نفسها يعيش بعيدا عن فلسطين، التي حرمت منها ثلاثين عاما إثر إبعادها، ولأنها أيضا على قناعة تامة أنها ليست كأي امرأة دورها مقتصر على الزواج وتربية الأبناء، وإنما دورها أكبر من ذلك بكثير، لأنها اعتبرت نفسها أم لكل فلسطيني وفلسطينية.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم واتوب اليه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق