الخميس، 29 مايو 2025

إرم ذات العماد ( قوم عاد ) !..

إرم ذات العماد ( قوم عاد ) !..
من القصص القراني غاية الروعة والجمال .. 
 

الله عز وجل كان وعد سيدنا (نوح) بوعد عظيم وهو { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ }
يعنى نسل سيدنا نوح هو الذي سيبقى فى الأرض بعد الطوفان العظيم .
وفعلاً نجّى ذرية نوح عليه السلام وكانوا 3 من الأبناء : (سام – حام – يافث)
وبعد أن مات أبوهم سيدنا نوح عليه السلام، أخذ كل واحد منهم ينتشر فى الأرض بنسله .
فتوجه سام بن نوح لمنطقة اسمها (الأحقاف) وعاش فيها هو وابنه ( عوص ) ثم مات ( سام ) واستمر ابنه (عوص) فى نشر الدعوة بعده ، وأنجب ولداً سمّاه ( إرم ) الذي كان بدأ في التطاول بالبنيان والتكبر والتجبر .

وحكم ( إرم ) مدينة داخل بلدة الأحقاف في اليمن ، مكانها بين عمان وحضرموت ، واستمر حكمه إلى أن أنجب ولده ( عاد ) ، وأُطلق على المدينة بعد موت الملك اسم : ( إرَم ) 

في وصف قوم عاد قيل : أن القزم منهم كان طوله ( 60 ذراع ) هذا القزم فما بالكم بالطويل فيهم !..
ولو قارنا طولهم بطول سيدنا ( آدم ) سنجد أنهم كانوا أطول من سيدنا آدم عليه السلام .

(عاد) هذا كان كافراً هو وقومه ، وكان طاغية هو وقومه ، وكانوا اذا دخلوا بلداً دمروها وأكلوا كل خيراتها وأفسدوها أشد فساد .
لكنه بدأ يحول بلدته (الأحقاف) البلدة الرمليه الصحراء الجرداء هذه بالتدريج لأكبر وأضخم وأقوى بلدة في العالم فيها القصور والمزارع والحدائق ..

الله عز وجل أوضح ذلك في قوله : {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَاد } أقوى مدينة فى العالم ذلك الوقت .. وبنوا مصانع وبيوت ومتاحف ومعابد ، وكانوا سابقين زمنهم بشدة ، لدرجة أن وصل بهم الحال أنهم بنوا مصانع لتصنيع مواد وأدويه تجعلهم خالدين ليعيشوا للأبد ( حسب اعتقادهم ) ..
وأيد هذا الكلام الإمام ابن كثير فى كتابة البداية والنهايه وتفسيره للقرآن 
قال الله تعال : { وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون }

وبعد استيلاء ( عاد) ومن قبله أبوه ( إرم ) وجيوشهم على الأراضي من حولهم ، بدأ ينشر عبادة الأصنام ، فصنع ثلاث تماثيل للعبادة ( صمود – صدأ – هباء ) 
والناس كانت تعبدهم تقرُّباً واقتداءً بأهلهم وغيرهم !..
إلى أن بعث الله عليهم عبداً صالحاً من أهلهم إسمه : ( هود ) .. قال الله تعالى : { وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ } ..
سيدنا هود عليه السلام كان رقيق ، ليِّن ، ومهذب ، وشهدوا له بالصلاح والذكاء وقوة الحُجَّة ..
دعاهم سيدنا ( هود ) لترك عبادة الأصنام وأن يرجعوا لعبادة الله ؟!.. لكن للأسف ردُّ فعلهم كان عنيفاً معه .. قالوا له  : { أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } ..
كان ردهم صادماً حتى أنهم لم ينتظروا أن يأتي لهم بمعجزة على صدق دعوته ، أغلقوا الباب عليه من أول مرة كلمهم فيها !..
لكن سيدنا (هود) لم ييئس منهم واستمر يدعوا لهم فترة من الزمن طويلة ، إلى أن اتبعه منهم عدد قليل جداً جداً .. وإلى أن تعبوا منه وردوا عليه للمرة الأخيرة وقالوا له : { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ } .. ( يعني لن ندخل في دينك مهما تفعل ) ..
ومنهم من قالوا : { إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ } .. يعني أنت كأنك ممسوس أو مجنون  ..
وقالوا أيضاً : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } .. أنت مجنون وكذاب ..
ومن شدة كفرهم وعنادهم قالوا له : { اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } .. قمة الكفر والجحود ..
فحزن سيدنا هود عليه السلام ورد عليهم قائلاً : { يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } .. أنا أتيت أبلغكم بالذي بلغني به ربي ،  لا أريد منكم مالاً ولا مُلكاً !..
وكان ردهم عليه : { قَالُوٓاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُۥ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ } ..
قالوا له : إئتنا بعذابك الذي تقوله ونحن بانتظارك ؟!..

فسكت سيدنا (هود) لثواني إلى أن أوحى إليه ربُّه أن عليهم غضب قريب .. فرد عليهم وقال لهم : { قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } .. ثم قال لهم : { فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ } ..
وتركهم ومشى هو والذين اتبعوه وكان عددهم قليل جداً .

بداية العذاب :
وفي ثاني يوم بدأ عذاب الله عليهم ، توقفت السماء عن المطر ، والأرض عن الزرع لمدة ثلاث سنوات .. 3 سنين خرّبت مدينة ( إرم ) وخرّبت كل صناعاتهم التي كانت معتمدة عليه ، خربت زرعهم وغيره من الخيرات ، كل تقدمهم فشل ، كل أشغالهم توقفت !..
وبعد انقضاء السنوات الثلاثة من الجوع والعطش الشديد ، أتى لسيدنا (هود) الأمر من ربنا بأن خذ الذين اتبعوك من القوم واخرج بهم إلى الكهف خارج المدينة !..
وفعلا أخذهم سيدنا (هود) وخرج بهم للكهف ..
قال الله تعالى : { وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } .. 
فما هذا العذاب الغليظ الذي وقع عليهم ؟..
استيقظ الناس في ذلك اليوم على سماء فيها غمامات سوداء اللون ، فتخرج واحدة من النساء إسمها : ( مَهد ) من دارها تقصد الصنم وتسأله من شدة العطش أن ينزل عليهم مطراً ؟!.. فترفع رأسها للسماء لتشاهد سحابة شديدة السواد تقترب عليهم ، فبدأت تصرخ من الرعب واغمي عليها !..
تجمّع الناس حولها ، وحاولوا إيقاظها ليطمئنوها بأن السحابة هذه التي خفتِ منها ما هي إلا سحابة ممتلئة بالمطر ، وقد أرسلتها لنا آلهتنا حين طلبناها !..
قال الله تعالى : ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ﴾ ..
وبدأوا يرقصوا فرحاً بهذه السحابة ويرددوا : ( كذب هود ، كذب هود ) ..

ونبي الله (هود) خارج البلدة هو ومن اتبعه من المؤمنين فى الكهف منتظرين عقاب الله عليهم !.. وكان يسمع كلامهم وهم يقولون : ( كذب هود ، كذب هود )
فيرد عليهم فى نفسه : { بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } ..

ثم حينما استفاقت تلك المرأة ( مهد ) من إغمائها قالت لهم : رأيت ريحاً فيها النار وأمامها رجالاً عظاماً يقودونها ، تلك ليست بسحابةُ عادية أبداً !..

وهذا هو المقصود بكلمة ( فيها ) .. يعني داخل الريح نفسها يوجد ألسنة من النار وعذاب أشدّ من الريح نفسها !..
ثم لحظات صمت ، وفجأةً وبدون سابق إنذار ، بدأت الريح تضرب المدينة من كل اتجاه ، والصواعق تضرب عليهم .. 
يهرب الناس إلى بيوتهم ، والريح تدخل ورائهم إلى بيوتهم ، تمسك الواحد منهم فتقذفه في الهواء ، وتنزله بقوة رهيبة في الأرض فينفصل جسمه عن رأسه !..
ثم ترجع فتمسك في واحدٍ آخر وهكذا !..
قوة شديدة ، وأصوات مخيفة ، وصراخ ورعب هزّ المكان لمدة 8 أيام !.. الريح تضرب المدينة 7 ليالي متواصلة لم تتركهم ثانية واحدة !..

ونبي الله (هود) يدعو ربّه أن ينجيه هو والمؤمنين الذين كانوا معه .

وبعد 8 أيام يخرج النبي ( هود ) والمؤمنين من الكهف ، ليكتشفوا أن مدينة ( إرم ) اختفت وتحولت لرمال !.. لم يبقَ منها غير أعمدة المباني ..
قال الله تعالى : { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا } .. البيوت فقط هي التي بقيت موجودة إلى الآن لتشهد عليهم أنهم تكبروا على ربهم وكفروا .
تدمرت (إرم) وتدمر (قوم عاد) بعد ما كانوا يقولون : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } ؟..
فدمرهم ربهم وأزال ملكهم وحولّهم لـ (أعجاز نخلٍ خاوية) بأضعف مخلوق هو (الهواء) ..
هذا الهواء اللطيف والنسيم العليل الذي إذا أمره ربّه أن يدمر ، يتحول بثانية واحدة لأقوى جندي من جنود الله .

ثم أمر ربنا سيدنا (هود) بالتوجه لمدينة (حضرموت) ليدعوا أهلها ، وبدأت الناس تتبع سيدنا (هود) خوفاً من أن يحصل لهم كما حصل لقوم (إرم) ..
وبعد زمن طويل توفي سيدنا (هود) عليه السلام وترك من بعده سلاماً وايماناً وصلاح .
إلى أن جاء من بعده قوم ظالمون وهما قوم (ثمود)
■ المصادر : 
1- القران الكريم فى تفاسير كل من سور : ( الانفال – الاحقاف – الحاقه – القمر – فصلت – الحجر – الاعراف – الشعراء – هود – يونس)
تفاسير كل من : الامام الشعراوي – الطبري – القرطبي – بن كثير
2- لقاء تلفزيوني عن قوم عاد مع : الشيخ د. عمر عبد الكافي
3- قصة هود للشيخ د. محمد راتب النابلسي
4- كتاب البداية والنهاية للامام بن كثير : فصل قوم عاد وثمود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق