قصة رحلة النبي ﷺ إلى الشام
خرج محمد إبن عبد الله مع عمه أبي طالب للتجارة بالشام، فنزلت القافلة بأرض مدينة بُصرى، وبصرى كانت موطنا لصوامع الرهبان يقيمون بها منصرفين إلى عبادتهم.
وقد كان ببصرى راهب فى صومعة اسمه "بحيرى" وكان على علم بالكتاب.
وكان من طبيعة "بحيرى" كما هو طبيعة كل الرهبان ألا يخرجوا للقاء القوافل.
ولكنه فى هذه المرة خرج من صومعته، إذ رأى من البينات ما يتفق وما عنده من التبشير برسول يأتى من بعد عيسى اسمه أحمد.
فالقافلة نزلت قريبا من صومعة "بحيرى"، فرأى سحابة تظلهم تسير حيث يسيرون وتقف حيث يقفون، وأنهم إذا لجأوا تحت شجرة، رأى أغصانها تميل حتى تظل واحدا منهم هو رسول الله ﷺ
فأراد "بحيرى" أن يعرف أحواله، وبقية الأمارات الدالة على أنه المذكور فى الإنجيل.
فاتجه إليهم لإكرامهم، فأقام لهم وليمة عامة تشمل صغيرهم وكبيرهم، لا يتخلف منهم أحد، وأرسل إليهم يدعوهم، وقال فى رسالته لهم: «إنى صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، فأنا أحب أن تحضروا كلكم، كبيركم وصغيركم» .
فقال رجل من قريش : «والله إن لك يا بحيرى لشأنا اليوم، ما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنا نمر بك كثيرا، فما شأنك اليوم» !
قال بحيرى : صدقت قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف وأحببت أن أكرمكم، وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم.
فاقبل القوم إليه، ولم يتخلف إلا محمد بن عبد الله لأنه بقي تحت الشجرة يرعى إبلهم ويحرسها.
فلما اجتمعوا حول الطعام لم ير "بحيرى" النبي ﷺ بينهم، فطلب ألا يتخلف أحد منهم عن طعامه.
فقالوا : يا بحيرى ما تخلف أحد إلا غلام وهو أصغرنا سنا، فبقي يحرس إبلنا.
فقال بحيرى : ادعوه .. فليحضر هذا الطعام.
فلما حضر محمد ﷺ أخذ بحيرى يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء من جسده، قد كان يجدها عنده من صفته.
حتى إذا فرغ القوم من طعامهم، وتفرقوا قال له : يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتنى عما أسألك. (حلف بحيرى بالات والعزى، لأنه سمع قوم قريش يحلفون بهما).
فقال محمد ﷺ : لا تسألنى باللات والعزى شيئا، فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما.
فقال بحيرى : والله إلا أخبرتنى عما أسألك عنه؟
فقال محمد ﷺ : سلنى عما بدا لك.
فجعل بحيرى يسأله عن رحلته وهيئته وأموره، ومحمد ﷺ يجيبه.
ثم نظر إلى ظهره، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه، فى موضعه من صفته التى عنده.
فلما فرغ أقبل على عمه أبى طالب فقال : ما هذا الغلام منك؟
قال : هو ابني!!
قال بحيرى : ما هو بابنك، وما ينبغى لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا.
قال أبو طالب: فإنه ابن أخى.
قال بحيرى : أين هو أبوه؟
قال: مات وأمه حبلى به.
قال بحيرى : صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر من اليهود، فو الله لئن رأوه، وعرفوا منه ما عرفت ليفعلن به شرا، فإنه سيكون لابن أخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده.
فخرج به عمه أبو طالب سريعا، حتى قدِم به مكة بلاد الأمن والأمان.
وصدق الله في قوله : {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون آبناءهم} أي : أهل الكتاب من اليهود والنصارى يعرفون محمد ﷺ كما يعرفون أبناءهم.
لا تقرأ وترحل علق بالصلاة على رسول الله ﷺ