الاثنين، 9 يناير 2017

القاهر القهار


🏡القاهر القهار🏡


🌋 المعنى في اللغه:
(القهَّار) من القهر، وهو الغلبة والأخذ بالقوة يُقال قهره أي غليه.

🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲

🌋الفرق بين اسم الله القاهر واسمه القهَّار

✏قالوا القاهر هو:: 
الذي له علو القهر الكلي المطلق باعتبار جميع المخلوقات وعلى اختلاف تنوعهم، فهو قاهر فوق عباده له علو القهر مقترن بعلو الشأن والفوقية.

أي هو سبحانه وتعالى قاهر لجميع خلقه، وبهذه الصفة نثبت له صفة العلو والفوقية فلا يقوى ملك من الملوك أن ينازعه في علوه مهما تمادى في سلطانه وظلمه وإلا قهره القاهر، لأنه إذا كان –هذا الملك- له الغلبة والقوة والبطش وله العلو في الأرض فيلزم من هذا أن يكون له غلبة على بعض الناس، لكن الله عز وجل فوقه يقهره

بما له من صفة القهر، فهو غالب على أمره سبحانه وتعالى ولا يستطيع كائن ما كان أن ينازعه في صفته.


** والمؤمن إذا قدّر عليه الله أن يُقهر لحكمة فيجب أن لا يمس هذا القهر قلبه، فقد يُغلب في الأرض ويهزم كما هو حال أهل الإسلام اليوم لكن هزيمته لا تكون داخلية في نفسه لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى له صفة القهر المطلقة، فلو شاء أن يخسف بأعدائه الأرض لكان لكنها السنن الكونية والأسباب.

وإذا كان النبي يُخبر 
 (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوده في نساء فإذا سقاء معلق نحوه يقطر ماؤه عليه مما يجده من حر الحمى فقلنا يا رسول الله لو دعوت الله فشفاك فقال رسول الله إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)

الراوي: فاطمة عمة أبي عبيدة بن حذيفة المحدث: الهيثمي - 
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن، فإن هذا المعنى يجب أن يرسخ في ذهنك.


** ومعلوم أن المقهور يحتمي من ملك بملك ويخرج بخوفه من سلطان أحدهما ليتقوى بالآخر، فالناس على دين ملوكهم الغالب منه يتبعونه ويستظلون بقوته. فهو يحتمي من مُلك بمُلك ويخرج بخوفه من سلطان ليتقوى بالآخر لكن الملوك جميعا إذا كان فوقهم ملكٌ قاهرٌ قادر فإلى من يخرجون وإلى جوار من يلجأون؟

يقول تعالى {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون: 88 ]

وفي الحديث أن النبي كان يقول (إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة . ثم اضطجع على شقك الأيمن . ثم قل : اللهم ! إني أسلمت وجهي إليك . وفوضت أمري إليك . وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك . لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك . آمنت بكتابك الذي أنزلت . وبنبيك الذي أرسلت . واجعلهن من آخر كلامك . فإن مت من ليلتك ، مت وأنت على الفطرة " . قال فرددتهن لأستذكرهن فقلت : آمنت برسولك الذي أرسلت . قال : قل : آمنت بنبيك الذي أرسلت . وفي رواية : وزاد في حديث حصين : وإن أصبح أصاب خيرا.) [صحيح مسلم]

فأنت تفر إليه..كل شيء تفر منه إلا الله فإن فرارك إليه. فلا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه...

🍂🍃🍂🍃🍂🍃🍂🍃🍂

✏أما القهَّار:: 
التضعيف فعَّال تعطي معنى مبالغة وكثرة فالقهار هو الذي له علو القهر باعتبار الكثرة والتعيين في الجزء أو باعتبار نوعية المقهور، فالعباد كلهم في قهر كلي وفقا لاسم القاهر قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [الأنعام: 18 ] أي لكل المخلوقات، أما القهر الجزئي على الأفراد فهو بالقهَّار فتقول يقهر فلان الظالم.

أما باعتبار نوعية المقهور فهو سبحانه قهار للظلمة و الجبابرة و المتكبرين في الأرض، أهلك قوم نوح وقوم هود وثمود وقهر فرعون وهامان .

يقول الله {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى} [النجم: 50 ] {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} [النجم: 51 ] {وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} [النجم: 52 ] {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم: 53 ] {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [النجم: 54 ] {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ تَتَمَارَى} [النجم: 55 ] {هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى} [النجم: 56 ] 

👈وهذه الآيات توحي بأن الله سبحانه وتعالى له هذا القهر فقهر قوم لوط وقهر أبا جهل وقهر المشركين وقهر الفُرس والصليبيين فالله سبحانه وتعالى قهَّار لكل متجبر ظالم، يقهرهم بالإماتة والإذلال ويقهر من نازعه في صفة من صفات ألوهيته وعبادته وربوبيته ومن نازعه في أسمائه وصفاته جل جلاله.{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [الفجر: 6 ] {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 7 ] {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 8 ] {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [الفجر: 9 ] {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} [الفجر: 10 ] {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 11 ] {فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} [الفجر: 12 ] {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر: 13 ] {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14 ]

🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲

🌋ورود الاسم في القرآن والسنة

✏القهَّار ورد ست مرات في القرآن:

منها في سورة الرعد {...قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16 ]

سورة غافر{...لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16 ]

✏وورد اسم القاهر في الكتاب مرتين

{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18 ]

وفي الآية 61 {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً...} [الأنعام: 61 ]

✏وورد هذا الاسم في السنة في الحديث حديث عائشة رضيَّ الله عنها (بينما النبي واضع رأسه في حجري بكيت ، فرفع رأسه ، فقال : ما أبكاك ؟ قلت : بأبي أنت وأمي : ذكرت قول الله عز وجل : {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} . فقال النبي الناس يومئذ على جسر جهنم ، والملائكة وقوف تقول : رب سلم رب سلم : فمن بين زال وزالة)

[الراوي: عائشة المحدث: ابن كثير - المصدر: نهاية البداية والنهاية - الصفحة أو الرقم: 1/319

خلاصة حكم المحدث: غريب من هذا الوجه]

✏وفي الحديث أيضا الذي روته أيضا أمنا عائشة أن رسول الله كان إذا تضوَّر من الليل قال : لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب السموات و الأرض و ما بينهما العزيز الغفار.

[الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4693
خلاصة حكم المحدث: صحيح]

... تضوَّر أي تقلب

وهذا الحديث رواه ابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع من السلسلة الصحيحة.

**كان النبي إذا تقلب أو تضوَّر سواء كان من ألم أو غيره يقول : لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب السموات و الأرض و ما بينهما العزيز الغفار.فيبدأ بصفة الجلال ثم يسمي بصفة الجمال العزيز الغفار..


✏**ولم يرد فيما أدري اسم الله تعالى القاهر في السنة وإنما وردت إشارات إلى هذا الاسم كما في  الحديث الذي رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة رضيَّ الله عنه أن رسول الله قال في شأن يأجوج ومأجوج يقولون (...قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء قسوة وعلوا...) إشارة إلى أن لهم القهر فيشير النبي أن الله سبحانه وتعالى يقهرهم بعد ذلك.

🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲

🌋**معنى الاسم في حق الله سبحانه وتعالى

يدل اسم الله القهَّار على ذات الله تعالى وصفة القهر، ويلزم من إثبات ذلك أن نُثبت له سبحانه الحياة والقيومية ونُثبت له العلم والقدرة والغنى والعزة والكبرياء ونُثبت له القوة والعلو.

👈يقول ابن القيم
 (وكذلك القهَّار من أوصافه فالخلق مقهورون بالسلطان لو لم يكن حيا عزيزا قادرا ما كان من قهر ولا سلطان"



👈كلام العلماء في معاني اسمه تعالى القاهر القهَّار:-

🌼يقول الخطابي:- القهَّار هو الذي قهر الجبابرة من عُتاة خلقه بالعقوبة وقهر الخلق كلهم بالموت.

🌼يقول الزجَّاج:- (قهر المعاندين بما أقام من الآيات والدلالات على وحدانيته وقهر جبابرة خلقه بعز سلطانه وقهر الخلق كلهم بالموت)



🌼يقول ابن كثير:- {...الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ...} [الأنعام: 18 ] هوالذي خضعت له الرقاب وذلت له الجبابرة وعنت له الوجوه وقهر كل شيء دانت له الخلائق وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته على الأشياء واستكانت وتضائلت بين يديه وتحت قهره وحكمه ما يكون هو.



🌼فقال ابن جرير الطبري:- (القاهر هو المُذَلِل المُستعبِد خلقه العالي عليهم)

فسبحانه يحب أن يراك ذليلا بين يديه، وهذا من تمام العبودية، وهو أعظم العز، لأنك إن لم توحده وتذل له ستذل لكل شيء ويتشتت قلبك بين كل شيء وتحمل هم كل شيء وتجد الابتلاءات والأمراض وغيره وسل أهل العشق عن مثل ذلك يحدثونك.

أما إن ذللت له وحده وأحببته وحده حبب فيك الخلق جميعا وكتب لك الغلبة في الأرض فتعز وتقوى وتدخل في حمى العزيز القهار.

🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲

🌋حظ المؤمن ودعائه ربه سبحانه وتعالى باسمه القهار

🌷أما الدعاء فقد ورد أن النبي كما تقدم معنا كان يدعو الله تعالى بهذا الاسم إذا تضور من الليل (أي إذا تقلَّب من الليل ) فيقول : ✏"لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب السموات و الأرض و ما بينهما العزيز الغفار".
[الألباني صحيح]

وذكر الله سبحانه وتعالى وصفه هذا على لسان نبي الله يوسف قال {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39 ] 
وهذا استفهام تقريري يدل على دعاء المسألة والعبادة معًا أي أراد يوسف دعاء الله وحده لا شريك له وعبادته وخلع ما سواه من الأوثان التي يعبدها قومه. وهو قال هذا الكلام لأصحاب السجن الذين هم مقهورون بقهر عزيز مصر فاختار من أسماء الله- وهو يعرفهم عليه- ما يلائم حالتهم.

🍂🍃🍂🍃🍂🍃🍂🍃🍂

🌷وأما حظ المؤمن من هذا الاسم:

👈 فأول شيء يستفيده العبد من قهر الله سبحانه وتعالى أن يقهر نفسه، وهذا يكون بالاستغفار والتوبة. فالنفس كي تلجمها وتعلو عليها تحتاج إلى مجاهدة عظيمة والذي يذلل لك هذا هو التوبة والاستغفار. فهما يجعلا نفسك مقهورة وذليلة بين يديك فتستطيع أن تتغلب عليها.

وكذلك يقهر العبد وساوس الشياطين وذلك بالاستعاذة، ويقهر الشبه والجهل وذلك بنور العلم واليقين، ويقهر كل ظالم جبار يخافه وهذا بالاستعاذة بالله الواحد القهار قال سبحانه {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127 ] فماذا قال موسى؟

{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128 ]

و هذه الآية لكل مستضعف في كل زمان ومكان، فالطريق إلى التمكين أن نلجأ بقلوبنا ونطرح أمرنا كله على الله سبحانه وتعالى فلا يوجد في قلوبنا أي التفات إلا له.

وأن نصبر، فإن النصر مع الصبر ، والأمر يحتاج إلى مُصابرة على تجرع مرارة الأقدار.

فإن حدث وجبت السنة الكونية {...وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128 ]

فإذا تحققت هذه الشروط الثلاث في أي مستضعف

1-الاستعانة بالله

2-والصبر

3- والتقوى لله فلم يعد يخاف إلا الله ولا يخشى أحدا إلا الله ولا يخشى فيه لومة لائم، عز وكانت له الغلبة.



👈المعنى الثاني : قلنا أن حظ المؤمن من صفات الجلال أن يتلبس بعكسها، فقلنا في صفة العزة مثلا أن يكون المؤمن ذليلا لإخوانه عزيزا على الكافرين. أما معنى القهر فيستوجب أن يلين المسلم للفقراء ويعطيهم ويحنو عليهم ويعفو عنهم عند المقدرة وأن يخضع لهم خضوع مشفق، قال تعالى:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9 ] {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 10 فيكون أثر ذلك أن يورثك الله سبحانه وتعالى الغلبة.

روى الإمام أحمد وصححه الألباني من حديث عبدالرحمن بن عوف رضى الله عنه أن النبي قال
 (والذي نفسي بيده إن كنت لحالفا عليهن : لا ينقص مال من صدقة ، فتصدقوا ، ولا يعفو عبد عن مظلمة ؛ إلا زاده الله بها عزا يوم القيامة ، ولا يفتح عبد باب مسألة ؛ إلا فتح الله عليه باب فقر.)[ صححه الألباني]

$فأولا: أنه يعرف ويثق تمام الثقة أنه 
(قال الله : أنفق يا ابن أدم أنفق عليك.)[ رواه البخاري]

المال يتناقص كمًا نعم لكن يعوض ذلك في كيفه..أي في البركة، فتجد نفسك وكأن المال الذي تصدقت به معك وزاد عليه وتقضي كل متطلباتك كما هي وكأن شيئا لم ينقص. أو يأتيك عوضا عن مالك الذي أنفقت كمًا، فمثلا لو أخرجت مائة جنيه ترزق بألف والقصص كثيرة في ذلك.

$ثانيا: "ولا يعفو عبدٌ عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا يوم القيامة" فهنيئا لمن ظُلم وعامل من ظلمه بعفو يسأل به عفو الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.

$ثالثا:"ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر" فإذا سألت فاسأل الله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاهد أصحابه على ألا يسألوا الناس.

🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲

🌋إذا فملخص حظك من اسم ربك القهار:

أول شيء قهر النفس بالاستغفار والتوبة، والأمر الثاني أن تلين المسلم للفقراء والمستضعفين، وكذلك أن لا تفعل ما يعرضك لقهر القهار.

🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲🎲

وإذا الجحيم سعرت

وإذا الجحيم سعرت




🌄🌄🏡🌄🌄🏡🌄🌄
لقد خلق الله تعالى النار وجعلها مقراً لأعدائه المخالفين لأمره، وملأها من غضبه وسخطه وأودعها أنواعاً من العذاب الذي لا يطاق، وحذر عباده وبين لهم السبل المنجية منها لئلا يكون لهم حجة بعد ذلك، وعلى الرغم من كل هذا التحذير من النار إلا أن البعض من الناس ممن قل علمهم وقصر نظرهم على هذه الدنيا أبوا إلا المخالفة والعناد والتمرد على مولاهم ومعصيته جهلاً منهم بحق ربهم عليهم، وجهلاً منهم بحقيقة النار التي توعدهم الله بها.
🌄🌄🏡🌄🌄🏡🌄🌄
*فما هي هذه النار؟ وما صفتها؟ *

*✏إنها كما قال الله تعالى عنها: *
{نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }[التحريم:6] 

قيل: يا رسول الله أهي مثل حجارة الدنيا؟ فقال صلى الله عليه وسلم : * " والذي نفسي بيده إنها حجارة كالجبال ". *

*✏وقال صلى الله عليه وسلم : *
*" ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم "، قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله، قال: " فإنها فُضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها " (متفق عليه). *

✏وقال صلى الله عليه وسلم :
* " يؤتى بجهنم يوم القيامة ولها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " (رواه مسلم). *

*✏وروي عن كعب الأحبار أنه قال : *
*( والذي نفس كعب بيده لو كنت بالمشرق والنار بالمغرب ثم كُشف عنها لخرج دماغك من منخريك من شدة حرها! فيا قوم هل لكم بهذا قرار؟ أم لكم على هذا صبر؟ يا قوم إن طاعة الله أهون عليكم والله من هذا العذاب فأطيعوه ) أ. هـ. *

*✏طعام أهلها الزقوم وشرابهم الحميم. قال صلى الله عليه وسلم : *
*" لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه " *
(رواه الترمذي وقال حسن صحيح).
* *
✏ قال الله تعالى :
* {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ؛لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ }(الغاشية:٦/٧)*

*وأهل النار في عذاب دائم، لا راحة ولا نوم، ولا قرار لهم، بل من عذاب إلى عذاب *
✏قال صلى الله عليه وسلم :
* " إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً " (رواه مسلم). *

وهم مع ذلك يتمنون الموت فلا يموتون! قد اسودت وجوههم، وأُعميت أبصارهم وأبكمت ألسنتهم، وقصمت ظهورهم وكسرت عظامهم
* ✏قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }(المائدة:37). *
✏وقال الله تعالى :
*{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ }(النساء:56). *

*✏يقول الحسن : ( تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة ). لباس أهلها من نار، *
✏ قال الله تعالى :
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ} (إبراهيم:50) وشرابهم وطعامهم من نار
✏ قال الله تعالى :
*{وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ }(محمد:15). *
✏قال الله تعالى :
{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا }(الكهف:٢٩)
🌄🌄🏡🌄🌄🏡🌄🌄
👈فتأمل أخي الكريم حال أولئك التعساء وهم يتقلبون في أنواع العذاب ويعانون في جهنم ما لا تطيقه الجبال، وما يفتت ذكره الأكباد ولا تسأل عما يعانونه من ثقل السلاسل والأغلال
* ✏قال الله تعالى :*
* {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ} (غافر:71)، *
✏وقال الله تعالى :
* {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} (الحاقة:32). *
*✏قال ابن عباس رضي الله عنهما: *
*( تُسلسل في دبره حتى تخرج من منخريه حتى لا يقدر أن يقوم على رجليه ثم ينظمون فيها كما يُنظم الجراد في العود حين يُشوى ). *
🌄🌄🏡🌄🌄🏡🌄🌄
الصراط👇

أرأيت أخي حال أهل النار وما هم فيه من الشقاء، فليتصور العبد نفسه لو كان منهم نسأل الله أن لا نكون منهم ليتصور نفسه عندما يؤمر به إلى جهنم عندما ينظر إلى الصراط ودقته وهوله وعظيم خطره وهو ينظر إلى الزالين والزالات من بين يديه ومن خلفه وقد تنكست هاماتهم وارتفعت على الصراط أرجلهم وثارت إليهم النار بطلبتها،

✏ روى مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه موقوفاً قال :
* ( بلغني أن الجسر أدق من الشعرة، وأحد من السيف ).*

* وهم بالويل ينادون وبينما ينظر اليهم مرعوباً خائفاً أن تتبعهم لم يشعر إلا وقد زلت قدمه عن الصراط فطار عقله ثم زلت الأخرى فتنكست هامته، فلم يشعر إلا والكلوب قد دخل في جلده ولحمه، فجذب به وبادرت إليه النار ثائرة غضبانة لغضب ربها، فهي تجذبه وهو ينادي: ويلي ويلي حتى إذا صار في جوفها التحمت عليه بحريقها فتورم أول ما ألقي فيها، ثم لم يلبث أن تقطر بدنه وتساقط لحمه، وتكسرت عظامه، وهو ينادي ولا يُرحم ويتمنى أن يعود ليتوب فلا يجاب نداؤه:*
*✏قال تعالى{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} (الرحمن:44). *
🌄🌄🏡🌄🌄🏡🌄🌄
أمنيات أهل النار👇

فلما اشتد به الكرب والعطش وبلغ منه المجهود ذكر الجنان فهاجت غصة من فؤاده إلى حلقه أسفاً على فوات جوار الله عز وجل وحزناً على نعيم الجنة الذي أضاعه بنفسه بسبب الذنوب والمعاصي، ففزع إلى الله بالنداء بأن يرده إلى الدنيا ليعمل صالحاً
✏ قال تعالى:
{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُون}َ (المؤمنون:١٠٧)
* فمكث عنه دهراً طويلاً لا يجيبه هواناً به، ثم ناداه بعد ذلك بالخيبة منه أن *
✏قال تعالى: {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ}
*(المؤمنون:١٠٨) *
*ثم أراد أن يزيده إياساً وحسرة فأطبق أبواب النار عليه وعلى أعدائه فيها فيا إياسه ويا إياس سكان جهنم حين سمعوا وقع أبوابها تطبق عليهم، فعلموا عند ذلك أن الله عز وجل إنما أطبقها لئلا يخرج منها أحد أبداً، فتقطعت قلوبهم إياساً وانقطع الرجاء منهم أن لا فرج أبداً، ولا مخرج منها، ولا محيص من عذاب الله عز وجل أبداً، خلودٌ فلا موت. وعذابٌ لا زوال له عن أبدانهم، وأحزان لا تنقضي، وسقم لا يبرأ، وقيود لا تحل، وأغلال لا تفك أبداً وعطش لا يروون بعده أبداً، لا يُرحم بكاؤهم، ولا يُجاب دعاؤهم، ولا تقبل توبتهم فهم في عذاب دائم وهوان لا ينقطع، ثم يبعث الله بعد ذلك الملائكة بأطباق من نار ومسامير من نار، وعمد من نار، فتطبق عليهم بتلك الأطباق وتشد بتلك المسامير، وتمد بتلك العمد، فلا يبقى فيها خلل يدخل فيها روح ولا يخرج منه غم، وينساهم الرحمن بعد ذلك {نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ }(التوبة:67) فذلك *
*قوله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ }(الهمزة:9،8) *

✏قال الله تعالى:
﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ [غافر: ٤٩]

↩قالَ الشيخُ رَحِمَهُ الله :
تأمل هذهِ الآية من عدةِ وجوه:
◀أولاً: أنهم لم يسألوا الله سبحانه وتعالى , وإنما طلبوا من خزنة جهنم أن يدعوا لهم .لأن الله قال لهم :
* ﴿ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٨]*

فرأوا أنفسهم أنهم ليسوا أهلا لأن يسألوا الله ويدعوه بأنفسهم بل لا يدعونه إلاّ بواسطة .
(ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفَّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ)

◀ثانياً: أنهم قالوا ( ادعوا ربكم ) ولم يقولوا : ادعوا ربّنا لأن وجوههم وقلوبهم لا تستطيع أن تتحدث أو أن تتكلم بإضافة ربوبية الله لهم , أي بأن يقولوا ربنا , فعندهم من العار والخزي مايرون أنهم ليسوا أهلا لأن تضاف ربوبية الله إليهم بل قالوا ( ربكم ) .

◀ثالثاً: لم يقولوا يرفع عنا العذاب بل قالوا ( يُخفّف ) لأنهم نعوذ بالله آيسون من أن يرفع عنهم .

*رابعاً: أنهم لم يقولوا يخفف عنا العذاب دائما بل قالوا *
( يوما من العذاب ) يوما واحدا .

بهذا يتبين ما هم عليه من العذاب والهوان والذل ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ﴾ [الشورى: ٤٥]
*أعاذنا الله منها . *
🌄🌄🏡🌄🌄🏡🌄🌄
فيا أخي الحبيب👇

* يا من تعصي الله تصور نفسك لو كنت من أهل النار؟ هل سترضى بشيء من هذا العذاب؟ لا أعتقد ذلك، إذاً فتب إلى الله وارجع عما يكرهه وتقرب إليه بالأعمال الصالحة عسى أن يرضى عنك، وابك من خشيته عسى أن يرحمك ويقيل عثراتك، فإن الخطر عظيم والبدن ضعيف، والموت منك قريب، والله جل جلاله مطلع عليك ويراك فاستح منه وأجِلَّه ولا تستخف بنظره إليك، ولا تستهين بمعصيته ولا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من تعصيه وهو الله جل جلاله وتقدست أسماؤه، واملأ قلبك من خشيته قبل أن يأخذك بغتة، ولا تتعرض له وتبارزه بالمعاصي فإنك لا طاقة لك بغضبه ولا قوة لك بعذابه، ولا صبر لك على عقابه، فتدارك نفسك قبل لقائه لعله أن يرحمك ويتجاوز عنك، فكأنك بالموت قد نزل بك وحينها لا ينفعك ندم ولا استدراك ما مضى*.
🌄🌄🏡🌄🌄🏡🌄🌄‏

الأحد، 8 يناير 2017

ﻛﺎﻥ ﺧﻠﻘﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ

ﻛﺎﻥ ﺧﻠﻘﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ




ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺟﻮﺍﺏ ﺃﻣﻨﺎ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻟﻤﺎ ﺳﺌﻠﺖ ﻋﻦ ﺧﻠﻖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻛﺎﻥ ﻗﺮﺁﻧﺎ ﻳﻤﺸﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ . 

ﻛﺎﻥ ﻟﻌﻠﻤﺎﺋﻨﺎ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﺭﺣﻤﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ ﺗﺪﻭﻳﻨﻬﻢ ﻟﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻤﺼﻄﻔﻰ ﻭﺟﻤﻌﻬﻢ ﻷﺣﺎﺩﻳﺜﻪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻓﺒﻠﻐﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﺣﻮﻝ ﺧﻠﻖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺍﻟﺴﻠﻢ ، ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺸﻂ ﻭﺍﻟﻤﻜﺮﻩ ، ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﻭﺍﻟﺤﻀﺮ ، ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻮﺓ ، ﻣﻊ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﻭﻣﻊ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﺍﻟﻔﺘﺢ ﻭﺍﻷﻋﺍﺏ ، ﻣﻊ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﺍﻟﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺭﺏ ﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺫﻱ ﺍﻟﻤﻴﺜﺎﻕ ...


ﻣﺎ ﺟﺎﺩ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻗﺒﻞ ﻭﻻ ﺑﻌﺪ ﺑﻤﺜﻞ ﺧﻠﻖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻘﺪ ﺍﺳﺘﺠﺎﺏ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻟﻨﺪﺍﺀ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﺒﺮ ﺧﻠﻖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ . 

ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ ﻛﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺟﻬﻪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺃﺧﻼﻗﻪ : " ﻛﺎﻥ ﺃﻭﺳﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺻﺪﺭﺍ ، ﻭﺃﺻﺪﻕ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻬﺠﺔ ، ﻭﺃﻟﻴﻨﻬﻢ ﻋﺮﻳﻜﺔ ، ﻭﺃﻛﺮﻣﻬﻢ ﻣﻌﺸﺮﺍ " . 

ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋﻴﺎﺽ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﺸﻔﺎ : " ﻭﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺆﻟﻔﻬﻢ ﻭﻻ ﻳﻨﻔﺮﻫﻢ ، ﻭﻳﻜﺮﻡ ﻛﺮﻳﻢ ﻛﻞ ﻗﻮﻡ ﻭﻳﻮﻟﻴﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ .. ﻳﺘﻌﻬﺪ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻭﻳﻌﻄﻲ ﻛﻞ ﺟﻠﺴﺎﺋﻪ ﻧﺼﻴﺒﻪ .. ﻗﺪ ﻭﺳﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺴﻄﻪ ﻭﺧﻠﻘﻪ ﻓﺼﺎﺭ ﻟﻬﻢ ﺃﺑﺎ ﻭﺻﺎﺭﻭﺍ ﻋﻨﺪﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ ﺳﻮﺍﺀ ".. ، ﻭﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻞ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻭﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺎﺋﻼ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺇﻧﻚ ﻟﻌﻠﻰ ﺧﻠﻖ ﻋﻈﻴﻢ . ﺻﻠﻰ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻬﺪﻯ .

ﻓﻤﺎ ﺃﺣﻮﺟﻨﺎ، ﺃﻣﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻤﺼﻄﻔﻰ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻨﺎ ﺳﺮﺍﺟﺎ ﻳﻨﻴﺮ ﻃﺮﻳﻘﻨﺎ ﻭﺳﻂ ﻣﺪﻟﻬﻤﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﺪﺍﻓﻊ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻟﺘﺒﻠﻴﻎ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﻠﻪ

التفسير الميسر من الآية (1) إلى الآية (23) من سورة الحج

التفسير الميسر من الآية (1) إلى الآية (23) من سورة الحج


تفسير سورة الحج 
التفسير الميسر من الآية (1) إلى الآية (23) من سورة الحج
بسم الله الرحمن الرحيم 



يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ( 1 )

يا أيها الناس احذروا عقاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه, إن ما يحدث عند قيام الساعة من أهوال وحركة شديدة للأرض, تتصدع منها كل جوانبها, شيء عظيم, لا يُقْدر قدره ولا يُبْلغ كنهه، ولا يعلم كيفيَّته إلا رب العالمين.

يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2 )

يوم ترون قيام الساعة تنسى الوالدةُ رضيعَها الذي ألقمته ثديها؛ لِمَا نزل بها من الكرب, وتُسْقط الحامل حملها من الرعب, وتغيب عقول للناس, فهم كالسكارى من شدة الهول والفزع, وليسوا بسكارى من الخمر, ولكن شدة العذاب أفقدتهم عقولهم وإدراكهم.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ( 3 )

وبعض رؤوس الكفر من الناس يخاصمون ويشككون في قدرة الله على البعث; جهلا منهم بحقيقة هذه القدرة, واتباعًا لأئمة الضلال من كل شيطان متمرد على الله ورسله.

كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ( 4 )

قضى الله وقدَّر على هذا الشيطان أنه يُضِل كل من اتبعه, ولا يهديه إلى الحق, بل يسوقه إلى عذاب جهنم الموقدة جزاء اتباعه إياه.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ( 5 )

يا أيها الناس إن كنتم في شك من أن الله يُحيي الموتى فإنَّا خلقنا أباكم آدم من تراب, ثم تناسلت ذريته من نطفة, هي المنيُّ يقذفه الرجل في رحم المرأة, فيتحول بقدرة الله إلى علقة, وهي الدم الأحمر الغليظ, ثم إلى مضغة, وهي قطعة لحم صغيرة قَدْر ما يُمْضَغ, فتكون تارة مخلَّقة, أي تامة الخلق تنتهي إلى خروح الجنين حيًا, وغير تامة الخلق تارة أخرى, فتسقط لغير تمام؛ لنبيِّن لكم تمام قدرتنا بتصريف أطوار الخلق, ونبقي في الأرحام ما نشاء, وهو المخلَّق إلى وقت ولادته, وتكتمل الأطوار بولادة الأجنَّة أطفالا صغارًا تكبَرُ حتى تبلغ الأشد, وهو وقت الشباب والقوة واكتمال العقل, وبعض الأطفال قد يموت قبل ذلك, وبعضهم يكبَرُ حتى يبلغ سن الهرم وضَعْف العقل; فلا يعلم هذا المعمَّر شيئًا مما كان يعلمه قبل ذلك. وترى الأرض يابسةً ميتة لا نبات فيها, فإذا أنزلنا عليها الماء تحركت بالنبات تتفتح عنه, وارتفعت وزادت لارتوائها, وأنبتت من كل نوع من أنواع النبات الحسن الذي يَسُرُّ الناظرين.



#التفسير-الميسر من الآية (6) إلى الآية (15) 

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 6 )

ذلك المذكور مما تقدَّم من آيات قدرة الله تعالى, فيه دلالة قاطعة على أن الله سبحانه وتعالى هو الرب المعبود بحق, الذي لا تنبغي العبادة إلا له, وهو يُحيي الموتى, وهو قادر على كل شيء.

وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ( 7 )

وأن ساعة البعث آتية, لا شك في ذلك, وأن الله يبعث الموتى مِن قبورهم لحسابهم وجزائهم.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ ( 8 ) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ( 9 )

ومن الكفار مَن يجادل بالباطل في الله وتوحيده واختياره رسوله صلى الله عليه وسلم وإنزاله القرآن، وذلك الجدال بغير علم، ولا بيان، ولا كتاب من الله فيه برهان وحجة واضحة، لاويًا عنقه في تكبر، معرضًا عن الحق ؛ ليصد غيره عن الدخول في دين الله، فسوف يلقى خزيًا في الدنيا باندحاره وافتضاح أمره، ونحرقه يوم القيامة بالنار.

ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ( 10 )

ويقال له: ذلك العذاب بسبب ما فَعَلْتَ من المعاصي واكتسبت من الآثام، والله لا يعذب أحدًا بغير ذنب.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ( 11 ) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ( 12 ) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ( 13 )

ومن الناس مَن يدخل في الإسلام على ضعف وشكٍّ، فيعبد الله على تردده، كالذي يقف على طرف جبل أو حائط لا يتماسك في وقفته، ويربط إيمانه بدنياه, فإن عاش في صحة وسَعَة استمر على عبادته, وإن حصل له ابتلاء بمكروه وشدة عزا شؤم ذلك إلى دينه, فرجع عنه كمن ينقلب على وجهه بعد استقامة، فهو بذلك قد خسر الدنيا؛ إذ لا يغيِّر كفرُه ما قُدِّر له في دنياه, وخسر الآخرة بدخوله النار، وذلك خسران بيِّن واضح. يعبد ذلك الخاسر من دون الله ما لا يضره إن تركه، ولا ينفعه إذا عبده، ذلك هو الضلال البعيد عن الحق. يدعو مَن ضررُه المحقق أقرب من نفعه، قبح ذلك المعبود نصيرًا، وقبح عشيرًا.

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ( 14 )

إن الله يدخل الذين آمنوا بالله ورسوله، وثبتوا على ذلك، وعملوا الصالحات، جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار، إن الله يفعل ما يريد من ثواب أهل طاعته تفضلا وعقاب أهل معصيته عدلا.

مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ( 15 )

من كان يعتقد أن الله تعالى لن يؤيد رسوله محمدًا بالنصر في الدنيا بإظهار دينه, وفي الآخرة بإعلاء درجته, وعذابِ مَن كذَّبه، فلْيَمدُدْ حبلا إلى سقف بيته وليخنق به نفسه, ثم ليقطع ذلك الحبل، ثم لينظر: هل يُذْهِبنَّ ذلك ما يجد في نفسه من الغيظ؟ فإن الله تعالى ناصرٌ نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم لا محالة.



وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ ( 16 )

وكما أقام الله الحجة من دلائل قدرته على الكافرين بالبعث أنزل القرآن، آياته واضحة في لفظها ومعناها, يهدي بها الله مَن أراد هدايته؛ لأنه لا هادي سواه.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( 17 )

إن الذين آمنوا بالله ورسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم واليهود والصابئين وهم: ( قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ) والنصارى والمجوس ( وهم عبدة النار ) والذين أشركوا وهم: عبدة الأوثان، إنَّ الله يفصل بينهم جميعًا يوم القيامة فيدخل المؤمنين الجنة، ويدخل الكافرين النار، إن الله على كل شيء شهيد، شهد أعمال العباد كلَّها، وأحصاها وحفظها، وسيجازي كلا بما يستحق جزاء وفاقًا للأعمال التي عملوها.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ( 18 )

ألم تعلم- أيها النبي- أن الله سبحانه يسجد له خاضعًا منقادًا مَن في السموات من الملائكة ومَن في الأرض من المخلوقات والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب؟ ولله يسجد طاعة واختيارًا كثير من الناس، وهم المؤمنون، وكثير من الناس حق عليه العذاب فهو مهين، وأيُّ إنسان يهنه الله فليس له أحد يكرمه. إن الله يفعل في خلقه ما يشاء وَفْقَ حكمته.

هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ( 19 ) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ( 20 ) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ( 21 ) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ( 22 )

هذان فريقان اختلفوا في ربهم: أهل الإيمان وأهل الكفر, كل يدَّعي أنه محقٌّ، فالذين كفروا يحيط بهم العذاب في هيئة ثياب جُعلت لهم من نار يَلْبَسونها, فتشوي أجسادهم، ويُصبُّ على رؤوسهم الماء المتناهي في حره، ويَنزِل إلى أجوافهم فيذيب ما فيها، حتى ينفُذ إلى جلودهم فيشويها فتسقط، وتضربهم الملائكة على رؤوسهم بمطارق من حديد. كلما حاولوا الخروج من النار - لشدة غمِّهم وكربهم- أعيدوا للعذاب فيها, وقيل لهم: ذوقوا عذاب النار المحرق.

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23 )

إن الله تعالى يدخل أهل الإيمان والعمل الصالح جنات نعيمها دائم، تجري مِن تحت أشجارها الأنهار، يُزَيَّنون فيها بأساور الذهب وباللؤلؤ، ولباسهم المعتاد في الجنة الحرير رجالا ونساءً.

صفحة 332 + 333 + 334

 

التفسير الميسر من الآية (58) إلى الآية (90) من سورة الانبياء

التفسير الميسر من الآية (58) إلى الآية (90) من سورة الانبياء



بسم الله الرحمن الرحيم تفسير سورة الانبياء التفسير الميسر من الآية (58) إلى الآية (90)


فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ( 58 )

فحطم إبراهيم الأصنام وجعلها قطعًا صغيرة, وترك كبيرها; كي يرجع القوم إليه ويسألوه، فيتبين عجزهم وضلالهم, وتقوم الحجة عليهم.

قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ( 59 )

ورجع القوم, ورأوا أصنامهم محطمة مهانة, فسأل بعضهم بعضًا: مَن فعل هذا بآلهتنا؟ إنه لظالم في اجترائه على الآلهة المستحقة للتعظيم والتوقير.

قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ( 60 )

قال مَن سمع إبراهيم يحلف بأنه سيكيد أصنامهم: سمعنا فتى يقال له إبراهيم, يذكر الأصنام بسوء.

قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ( 61 )

قال رؤساؤهم : فَأْتوا بإبراهيم على مرأى من الناس; كي يشهدوا على اعترافه بما قال; ليكون ذلك حجة عليه.

قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ( 62 )

وجيء بإبراهيم وسألوه منكرين: أأنت الذي كسَّرْتَ آلهتنا؟ يعنون أصنامهم.

قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ( 63 )

وتمَّ لإبراهيم ما أراد من إظهار سفههم على مرأى منهم. فقال محتجًا عليهم معرِّضًا بغباوتهم: بل الذي كسَّرها هذا الصنم الكبير, فاسألوا آلهتكم المزعومة عن ذلك, إن كانت تتكلم أو تُحير جوابًا.

فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ( 64 )

فأُسقِط في أيديهم, وبدا لهم ضلالهم; كيف يعبدونها, وهي عاجزة عن أن تدفع عن نفسها شيئًا أو أن تجيب سائلها؟ وأقرُّوا على أنفسهم بالظلم والشرك.

ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ ( 65 )

وسُرعان ما عاد إليهم عنادهم بعد إفحامهم, فانقلبوا إلى الباطل, واحتجُّوا على إبراهيم بما هو حجة له عليهم, فقالوا: كيف نسألها, وقد علمتَ أنها لا تنطق؟

قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ ( 66 ) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ( 67 )

قال إبراهيم محقِّرًا لشأن الأصنام: كيف تعبدون أصنامًا لا تنفع إذا عُبدت, ولا تضرُّ إذا تُركت؟ قبحًا لكم ولآلهتكم التي تعبدونها من دون الله تعالى, أفلا تعقلون فتدركون سوء ما أنتم عليه؟

قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ( 68 ) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ( 69 )

لما بطلت حجتهم وظهر الحق عدلوا إلى استعمال سلطانهم, وقالوا: حَرِّقوا إبراهيم بالنار; غضبًا لآلهتكم إن كنتم ناصرين لها. فأشْعَلوا نارًا عظيمة وألقوه فيها, فانتصر الله لرسوله وقال للنار: كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم, فلم يَنَلْه فيها أذى, ولم يصبه مكروه.

وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ ( 70 )

وأراد القوم بإبراهيم الهلاك فأبطل الله كيدهم, وجعلهم المغلوبين الأسفلين.

وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ( 71 )

ونجينا إبراهيم ولوطًا الذي آمن به من «العراق» ، وأخرجناهما إلى أرض «الشام» التي باركنا فيها بكثرة الخيرات, وفيها أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ( 72 )

وأنعم الله على إبراهيم, فوهب له ابنه إسحاق حين دعاه, ووهب له من إسحاق يعقوب زيادة على ذلك, وكلٌّ من إبراهيم وإسحاق ويعقوب جعله الله صالحًا مطيعًا له.


وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ( 73 )

وجعلنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب قدوة للناس يدعونهم إلى عبادته وطاعته بإذنه تعالى, وأوحينا إليهم فِعْلَ الخيرات من العمل بشرائع الأنبياء, وإقام الصلاة على وجهها, وإيتاء الزكاة, فامتثلوا لذلك, وكانوا منقادين مطيعين لله وحده دون سواه.

وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ( 74 )

وآتينا لوطًا النبوة وفصل القضاء بين الخصوم وعلمًا بأمر الله ودينه, ونجيناه من قريته « سدوم » التي كان يعمل أهلها الخبائث. إنهم كانوا بسبب الخبائث والمنكرات التي يأتونها أهل سوء وقُبْح, خارجين عن طاعة الله.

وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ( 75 )

وأتمَّ الله عليه النعمة فأدخله في رحمته بإنجائه ممَّا حلَّ بقومه; لأنه كان من الذين يعملون بطاعة الله.

وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ( 76 )

واذكر - أيها الرسول - نوحا حين نادى ربه مِن قبلك ومِن قبل إبراهيم ولوط, فاستجبنا له دعاءه, فنجيناه وأهله المؤمنين به من الغم الشديد.

وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ( 77 )

ونصرناه مِن كيد القوم الذين كذَّبوا بآياتنا الدالة على صدقه, إنهم كانوا أهل قُبْح, فأغرقناهم بالطوفان أجمعين.

وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ( 78 )

واذكر أيها الرسول نبي الله داود وابنه سليمان, إذ يحكمان في قضية عرَضَها خصمان, عَدَت غنم أحدهما على زرع الآخر, وانتشرت فيه ليلا فأتلفت الزرع, فحكم داود بأن تكون الغنم لصاحب الزرع ملْكًا بما أتلفته, فقيمتهما سواء, وكنَّا لحكمهم شاهدين لم يَغِبْ عنا.

فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ( 79 )

فَفَهَّمنا سليمان مراعاة مصلحة الطرفين مع العدل, فحكم على صاحب الغنم بإصلاح الزرع التالف في فترة يستفيد فيها صاحب الزرع بمنافع الغنم من لبن وصوف ونحوهما, ثم تعود الغنم إلى صاحبها والزرع إلى صاحبه; لمساواة قيمة ما تلف من الزرع لمنفعة الغنم, وكلا من داود وسليمان أعطيناه حكمًا وعلمًا, ومننَّا على داود بتطويع الجبال تسبِّح معه إذا سبَّح, وكذلك الطير تسبِّح, وكنا فاعلين ذلك.

وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ( 80 )

واختصَّ الله داود عليه السلام بأن علَّمه صناعة الدروع يعملها حِلَقًا متشابكة, تسهِّل حركة الجسم; لتحمي المحاربين مِن وَقْع السلاح فيهم, فهل أنتم شاكرون نعمة الله عليكم حيث أجراها على يد عبده داود؟

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ( 81 )

وسخَّرنا لسليمان الريح شديدة الهبوب تحمله ومَن معه, تجري بأمره إلى أرض « بيت المقدس » بـ « الشام » التي باركنا فيها بالخيرات الكثيرة، وقد أحاط علمنا بجميع الأشياء.

وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ( 82 ) وسخَّرنا لسليمان من الشياطين شياطين يستخدمهم فيما يَعْجِز عنه غيرهم, فكانوا يغوصون في البحر يستخرجون له اللآلئ والجواهر, وكانوا يعملون كذلك في صناعة ما يريده منهم, لا يقدرون على الامتناع مما يريده منهم, حفظهم الله له بقوته وعزه سبحانه وتعالى. وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ( 83 ) واذكر - أيها الرسول - عبدنا أيوب, إذ ابتليناه بضر وسقم عظيم في جسده, وفقد أهله وماله وولده, فصبر واحتسب, ونادى ربه عز وجل أني قد أصابني الضر, وأنت أرحم الراحمين, فاكشفه عني. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ( 84 ) فاستجبنا له دعاءه, ورفعنا عنه البلاء, ورددنا عليه ما فقده من أهل وولد ومال مضاعفًا, فَعَلْنا به ذلك رحمة منَّا, وليكون قدوة لكل صابر على البلاء, راجٍ رحمة ربه, عابد له. وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ( 85 ) واذكر إسماعيل وإدريس وذا الكفل, كل هؤلاء من الصابرين على طاعة الله سبحانه وتعالى, وعن معاصيه, وعلى أقداره, فاستحقوا الذكر بالثناء الجميل. وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ ( 86 ) وأدخلناهم في رحمتنا, إنهم ممن صلح باطنه وظاهره, فأطاع الله وعمل بما أمره به. وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ( 87 ) واذكر قصة صاحب الحوت, وهو يونس بن مَتَّى عليه السلام, أرسله الله إلى قومه فدعاهم فلم يؤمنوا, فتوعَّدهم بالعذاب فلم ينيبوا, ولم يصبر عليهم كما أمره الله, وخرج مِن بينهم غاضبًا عليهم, ضائقًا صدره بعصيانهم, وظن أن الله لن يضيِّق عليه ويؤاخذه بهذه المخالفة, فابتلاه الله بشدة الضيق والحبس, والتقمه الحوت في البحر, فنادى ربه في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت تائبًا معترفًا بظلمه; لتركه الصبر على قومه, قائلا: لا إله إلا أنت سبحانك, إني كنت من الظالمين. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ( 88 ) فاستجبنا له دعاءه, وخلَّصناه مِن غَم هذه الشدة, وكذلك ننجي المصدِّقين العاملين بشرعنا. وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ( 89 ) واذكر أيها الرسول قصة عبد الله زكريا حين دعا ربه أن يرزقه الذرية لما كَبِرت سنُّه قائلا رب لا تتركني وحيدًا لا عقب لي, هب لي وارثًا يقوم بأمر الدين في الناس من بعدي, وأنت خير الباقين وخير مَن خلفني بخير. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ( 90 ) فاستجبنا له دعاءه ووهبنا له على الكبر ابنه يحيى, وجعلنا زوجته صالحة في أخلاقها وصالحة للحمل والولادة بعد أن كانت عاقرًا, إنهم كانوا يبادرون إلى كل خير, ويدعوننا راغبين فيما عندنا, خائفين من عقوبتنا, وكانوا لنا خاضعين متواضعين.

صفحة 327 + 328 + 329

عيسي عليه السلام

عيسي عليه السلام




🔮🌳سلسلة قصص الأنبياء🌳عيسي عليه السلام🌳🔮


ملخص قصة عيسى عليه السلام

‏مثل عيسى مثل آدم خلقه الله من تراب وقال له كن فيكون، هو عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وهو الذي بشر بالنبي محمد، آتاه الله البينات وأيده بروح القدس وكان وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، كلم الناس في المهد وكهلا وكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرا، ويبرئ الأكمه والأبرص ويخرج الموتى كل بإذن الله، دعا المسيح قومه لعبادة الله الواحد الأحد ولكنهم أبوا واستكبروا وعارضوه، ولم يؤمن به سوى بسطاء قومه، رفعه الله إلى السماء وسيهبط حينما يشاء الله إلى الأرض ليكون شهيدا على الناس



الحديث عن نبي الله عيسى عليه السلام، يستدعي الحديث عن أمه (مريم)، بل وعن ذرية (آل عمران) هذه الذرية التي اصطفاها الله تعالى واختارها، كما اختار آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمين.

(آل عمران) أسرة كريمة مكونة من (عمران) والد مريم، و(امرأة عمران) أم مريم، و(مريم)، و(عيسى) عليه السلام؛ فعمران جد عيسى لأمه، وامرأة عمران جدته لأمه، وكان (عمران) صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه، وكانت زوجته (امرأة عمران) امرأة صالحة كذلك، وكانت لا تلد، فدعت الله تعالى أن يرزقها ولدا، ونذرت أن تجعله مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس، فاستجاب الله دعاءها، ولكن شاء الله أن تلد أنثى هي (مريم)، وجعل الله تعالى كفالتها ورعايتها إلى (زكريا) عليه السلام، وهو زوج أختها أو خالتها، وإنما قدر الله ذلك لتقتبس منه علما نافعا، وعملا صالحا



كانت مريم مثالا للعبادة والتقوى، وأسبغ الله تعالى على ربها فضله ونعمه مما لفت أنظار الآخرين، فكان زكريا عليه السلام كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا، فيسألها من أين لك هذا، فتجيب: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).

كل ذلك إنما كان تمهيدا للمعجزة العظمى؛ حيث ولد عيسى عليه السلام من هذه المرأة الطاهرة النقية، دون أن يكون له أب كسائر الخلق، واستمع إلى بداية القصة كما أوردها القرآن الكريم، قال تعالى:

وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ

بهذه الكلمات البسيطة فهمت مريم أن الله يختارها، ويطهرها ويختارها ويجعلها على رأس نساء الوجود.. هذا الوجود، والوجود الذي لم يخلق بعد.. هي أعظم فتاة في الدنيا وبعد قيامة الأموات وخلق الآخرة.. وعادت الملائكة تتحدث:

يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ

كان الأمر الصادر بعد البشارة أن تزيد من خشوعها، وسجودها وركوعها لله.. وملأ قلب مريم إحساس مفاجئ بأن شيئا عظيما يوشك أن يقع.. ويروي الله تعالى في القرآن الكريم قصة ولادة عيسى عليه السلام فيقول:

وَاذكُر فِى الكِتَابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِهَا مَكَاناً شَرقِياً (16) فَاتخَذَت مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثلَ لَهَا بَشَراً سَوِياً (17) قَالَت إِني أَعُوذُ بِالرحمَـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياً (18) قَالَ إِنمَا أَنَا رَسُولُ رَبكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياً (19) قَالَت أنى يَكُونُ لِى غُلامٌ وَلَم يَمسَسنِى بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِياً (20) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبكَ هُوَ عَلَى هَينٌ وَلِنَجعَلَهُ ءايَةً للناسِ وَرَحمَةً منا وَكَانَ أَمراً مقضِياً

جاء جبريل –عليه السلام- لمريم وهي في المحراب على صورة بشر في غاية الجمال. فخافت مريم وقالت: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا

أرادت أن تحتمي في الله.. وسألته هل هو إنسان طيب يعرف الله ويتقيه.

فجاء جوابه ليطمئنها بأنه يخاف الله ويتقيه: قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا

اطمئنت مريم للغريب، لكن سرعان ما تذكّرت ما قاله (لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) استغربت مريم العذراء من ذلك.. فلم يمسسها بشر من قبل.. ولم تتزوج، ولم يخطبها أحد، كيف تنجب بغير زواج!! فقالت لرسول ربّها: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا

قال الروح الأمين: كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا

استقبل عقل مريم كلمات الروح الأمين.. ألم يقل لها إن هذا هو أمر الله ..؟ وكل شيء ينفذ إذا أمر الله.. ثم أي غرابة في أن تلد بغير أن يمسسها بشر..؟ لقد خلق الله سبحانه وتعالى آدم من غير أب أو أم، لم يكن هناك ذكر وأنثى قبل خلق آدم. وخلقت حواء من آدم فهي قد خلقت من ذكر بغير أنثى.. ويخلق ابنها من غير أب.. يخلق من أنثى بغير ذكر.. والعادة أن يخلق الإنسان من ذكر وأنثى.. العادة أن يكون له أب وأم.. لكن المعجزة تقع عندما يريد الله تعالى أن تقع.. عاد جبريل عليه السلام يتحدث: إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ

زادت دهشة مريم.. قبل أن تحمله في بطنها تعرف اسمه.. وتعرف أنه سيكون وجيها عند الله وعند الناس، وتعرف أنه سيكلم الناس وهو طفل وهو كبير.. وقبل أن يتحرك فم مريم بسؤال آخر.. نفخ جبريل عليه السلام في جيب مريم –الجيب هو شق الثوب الذي يكون في الصدر- فحملت فورا.

ومرت الأيام.. كان حملها يختلف عن حمل النساء.. لم تمرض ولم تشعر بثقل ولا أحست أن شيئا زاد عليها ولا ارتفع
بطنها كعادة النساء.. كان حملها به نعمة طيبة. وجاء الشهر التاسع.. وفي العلماء من يقول إن الفاء تفيد التعقيب السريع.. بمعنى أن مريم لم تحمل بعيسى تسعة أشهر، وإنما ولدته مباشرة كمعجزة..

خرجت مريم ذات يوم إلى مكان بعيد.. إنها تحس أن شيئا سيقع اليوم.. لكنها لا تعرف حقيقة هذا الشيء.. قادتها قدماها إلى مكان يمتلئ بالشجر.. والنخل، مكان لا يقصده أحد لبعده.. مكان لا يعرفه غيرها.. لم يكن الناس يعرفون أن مريم حامل.. وإنها ستلد.. كان المحراب مغلقا عليها، والناس يعرفون أنها تتعبد فلا يقترب منها أحد..

جلست مريم تستريح تحت جذع نخلة؛ لم تكن نخلة كاملة، إنما جذع فقط، لتظهر معجزات الله سبحانه وتعالى لمريم عند ولادة عيسى فيطمئن قلبها.. وراحت تفكر في نفسها.. كانت تشعر بألم.. وراح الألم يتزايد ويجيء في مراحل متقاربة.. وبدأت مريم تلد..


فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا
إن ألم الميلاد يحمل لنفس العذراء الطاهرة آلاما أخرى تتوقعها ولم تقع بعد.. كيف يستقبل الناس طفلها هذا..؟ وماذا يقولون عنها..؟ إنهم يعرفون أنها عذراء.. فكيف تلد العذراء..؟ هل يصدق الناس أنها ولدته بغير أن يمسسها بشر..؟ وتصورت نظرات الشك.. وكلمات الفضول.. وتعليقات الناس.. وامتلأ قلبها بالحزن..

وولدت في نفس اللحظة من قدر عليه أن يحمل في قلبه أحزان البشرية.. لم تكد مريم تنتهي من تمنيها الموت والنسيان، حتى نادها الطفل الذي ولد:

فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا

نظرت مريم إلى المسيح.. سمعته يطلب منها أن تكف عن حزنها.. ويطلب منها أن تهز جذع النخلة لتسقط عليها بعض ثمارها الشهية.. فلتأكل، ولتشرب، ولتمتلئ بالسلام والفرح ولا تفكر في شيء.. فإذا رأت من البشر أحدا فلتقل لهم أنها نذرت للرحمن صوما فلن تكلم اليوم إنسانا.. ولتدع له الباقي..

لم تكد تلمس جذعها حتى تساقط عليها رطب شهي.. فأكلت وشربت ولفت الطفل في ملابسها.. وألصقته بقلبها واستسلمت لعذوبة النوم.

كان تفكير مريم العذراء كله يدور حول مركز واحد.. هو عيسى، وهي تتساءل بينها وبين نفسها: كيف يستقبله اليهود..؟ ماذا يقولون فيه..؟ هل يصدق أحد من كهنة اليهود الذين يعيشون على الغش والخديعة والسرقة..؟ هل يصدق أحدهم وهو بعيد عن السماء أن السماء هي التي رزقتها بطفل؟ إن موعد خلوتها ينتهي، ولا بد أن تعود إلى قومها.. فماذا يقولون الناس؟

كان الوقت عصرا حين عادت مريم.. وكان السوق الكبير الذي يقع في طريقها إلى المسجد يمتلئ بالناس الذي فرغوا من البيع والشراء وجلسوا يثرثرون. لم تكد مريم تتوسط السوق حتى لاحظ الناس أنها تحمل طفلا، وتضمه لصدرها وتمشي به في جلال وبطئ..

تسائل أحد الفضوليين: أليست هذه مريم العذراء..؟ طفل من هذا الذي تحمله على صدرها..؟

قال أحدهم: هو طفلها.. ترى أي قصة ستخرج بها علينا..؟

وجاء كهنة اليهود يسألونها.. ابن من هذا يا مريم؟ لماذا لا تردين؟ هو ابنك قطعا.. كيف جاءك ولد وأنت عذراء؟

يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا

الكلمة ترمي مريم بالبغاء.. هكذا مباشرة دون استماع أو تحقيق أو تثبت.. ترميها بالبغاء وتعيرها بأنها من بيت طيب وليست أمها بغيا.. فكيف صارت هي كذلك؟ راحت الاتهامات تسقط عليها وهي مرفوعة الرأس.. تومض عيناها بالكبرياء والأمومة.. ويشع من وجهها نور يفيض بالثقة.. فلما زادت الأسئلة، وضاق الحال، وانحصر المجال، وامتنع المقال، اشتد توكلها على ذي الجلال وأشارت إليه..

أشارت بيدها لعيسى.. واندهش الناس.. فهموا أنها صائمة عن الكلام وترجو منهم أن يسألوه هو كيف جاء.. تساءل الكهنة ورؤساء اليهود كيف يوجهون السؤال لطفل ولد منذ أيام.. هل يتكلم طفل في لفافته..؟!

قالوا لمريم:

كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا

قال عيسى:

قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا

لم يكد عيسى ينتهي من كلامه حتى كانت وجوه الكهنة والأحبار ممتقعة وشاحبة.. كانوا يشهدون معجزة تقع أمامهم مباشرة.. هذا طفل يتكلم في مهده.. طفل جاء بغير أب.. طفل يقول أن الله قد آتاه الكتاب وجعله نبيا.. هذا يعني إن سلطتهم في طريقها إلى الانهيار.. سيصبح كل واحد فيهم بلا قيمة عندما يكبر هذا الطفل.. لن يستطيع أن يبيع الغفران للناس، أو يحكمهم عن طريق ادعائه أنه ظل السماء على الأرض، أو باعتباره الوحيد العارف في الشريعة.. شعر كهنة اليهود بالمأساة الشخصية التي جاءتهم بميلاد هذا الطفل.. إن مجرد مجيء المسيح يعني إعادة الناس إلى عبادة الله وحده.. وهذا معناه إعدام الديانة اليهودية الحالية.. فالفرق بين تعاليم موسى وتصرفات اليهود كان يشبه الفرق بين نجوم السماء ووحل الطرقات.. وتكتم رهبان اليهود قصة ميلاد عيسى وكلامه في المهد.. واتهموا مريم العذراء ببهتان عظيم.. اتهموها بالبغاء.. رغم أنهم عاينوا بأنفسهم معجزة كلام ابنها في المهد.

وتخبرنا بعض الروايات أن مريم هاجرت بعيسى إلى مصر، بينما تخبرنا روايات أخرى بأن هجرتها كانت من بيت لحم لبيت المقدس. إلا أن المعروف لدينا هو أن هذه الهجرة كانت قبل بعثته.

كبر عيسى.. ونزل عليه الوحي، وأعطاه الله الإنجيل. وكان عمره آنذاك كما يرى الكثير من العلماء ثلاثون سنة. وأظهر الله على يديه المعجزات. يقول المولى عزّ وجل في كتابه عن معجزات عيسى عليه السلام:

وَيُعَلمُهُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَالتورَاةَ وَالإِنجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسرائيلَ أني قَد جِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم أَنِي أَخلُقُ لَكُم منَ الطينِ كَهَيئَةِ الطيرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيرًا بِإِذنِ اللهِ وَأُبرِىْ الأكمَهَ والأبرَصَ وَأُحي المَوتَى بِإِذنِ اللهِ وَأُنَبئُكُم بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدخِرُونَ فِى بُيُوتِكُم إِن فِي ذلِكَ لآيَةً لكُم إِن كُنتُم مؤمِنِينَ (49) وَمُصَدقًا لمَا بَينَ يَدَي مِنَ التورَاةِ وَلأحِل لَكُم بَعضَ الذِي حُرمَ عَلَيكُم وَجِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم فَاتقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِن اللهَ رَبي وَرَبكُم فَاعبُدُوهُ هَـذَا صِراطٌ مستَقِيمٌ

فكان عيسى –عليه السلام رسولا لبني إسرائيل فقط. ومعجزاته هي:

علّمه الله التوراة.
يصنع من الطين شكل الطير ثم ينفخ فيه فيصبح طيرا حيّا يطير أمام أعينهم.
يعالج الأكمه (وهو من ولد أعمى)، فيمسح على عينيه أمامهم فيبصر.
يعالج الأبرص (وهو المرض الذي يصيب الجلد فيجعل لونه أبيضا)، فيسمح على جسمه فيعود سليما.
يخبرهم بما يخبئون في بيوتهم، وما أعدّت لهم زوجاتهم من طعام.
وكان –عليه السلام- يحيي الموتى.
جاء عيسى ليخفف عن بني إسرائيل بإباحة بعض الأمور التي حرمتها التوراة عليهم عقابا لهم. إلا أن بني إسرائيل –مع كل هذه الآيات- كفروا. قال تعالى:

فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ

وقال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ

قيل أن عدد الحواريين كان سبعة عشر رجلا، لكن الروايات الأرجح أنهم كانوا اثني عشر رجلا. آمن الحواريون، لكن التردد لا يزال موجودا في نفوسهم. قال الله تعالى قصة هذا التردد:

إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ

استجاب الله عز وجل، لكنه حذّرهم من الكفر بعد هذه الآية التي جاءت تلبية لطلبهم. نزلت المائدة، وأكل الحواريون منها، وظلوا على إيمانهم وتصديقهم لعيسى –عليه السلام- إلا رجل واحد كفر بعد رفع عيسى عليه السلام.

لما بدأ الناس يتحدثون عن معجزات عيسى عليه السلام، خاف رهبان اليهود أن يتبع الناس الدين الجديد فيضيع سلطانهم. فذهبوا لمَلك تلك المناطق وكان تابعا للروم. وقالوا له أن عيسى يزعم أنه مَلك اليهود، وسيأخذ المُلك منك. فخاف المَلك وأمر بالبحث عن عيسى –عليه السلام- ليقتله.

جاءت روايات كثيرة جدا عن رفع عيسى –عليه السلام- إلى السماء، معظمها من الإسرائيليات أو نقلا عن الإنجيل. وسنشير إلى أرجح رواية هنا.

عندما بلغ عيسى عليه السلام أنهم يريدون قتله، خرج على أصحابه وسألهم من منهم مستعد أن يلقي الله عليه شبهه فيصلب بدلا منه ويكون معه في الجنة. فقام شاب، فحنّ عليه عيسى عليه السلام لأنه لا يزال شابا. فسألهم مرة ثانية، فقام نفس الشاب. فنزل عليه شبه عيسى عليه السلام، ورفع الله عيسى أمام أعين الحواريين إلى السماء. وجاء اليهود وأخذوا الشبه وقتلوه ثم صلبوه. ثم أمسك اليهود الحواريين فكفر واحد منهم. ثم أطلقوهم خشية أن يغضب الناس. فظل الحواريون يدعون بالسر. وظل النصارى على التوحيد أكثر من مئتين سنة. ثم آمن أحد ملوك الروم واسمه قسطنطين، وأدخل الشركيات في دين النصارى.

يقول ابن عباس: افترق النصارى ثلاث فرق. فقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء. وقالت طائفة: كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه. وقلت طائفة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء ثم رفعه الله إليه. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا –صلى الله عليه وسلم- فذلك قول الله تعالى:

فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ

وقال تعالى عن رفعه:

وَقَولِهِم إِنا قَتَلنَا المَسِيحَ عِيسَى ابنَ مَريَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبهَ لَهُم وَإِن الذِينَ اختَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَك منهُ مَا لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِلا اتبَاعَ الظن وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَل رفَعَهُ اللهُ إِلَيهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) وَإِن من أَهلِ الكِتَابِ إِلا لَيُؤمِنَن بِهِ قَبلَ مَوتِهِ وَيَومَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيهِم شَهِيداً

لا يزال عيسى –عليه السلام- حيا. ويدل على ذلك أحاديث صحيحة كثيرة. والحديث الجامع لها في مسند الإمام أحمد:

حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا يحيى، عن ابن أبي عروبة قال: ثنا قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة،: (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء إخوة لعلات، دينهم واحد وأمهاتهم شتى، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وأنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، سبط كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل بين ممصرتين، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، و يعطل الملل حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعاً، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا يضر بعضهم بعضاً، فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يتوفى، فيصلي عليه المسلمون و يدفنونه.)

(مربوع) ليس بالطويل وليس بالقصير، (إلى الحمرة والبياض) وجهه أبيض فيه احمرار، (سبط) شعره ناعم، (ممصرتين) عصاتين أو منارتين وفي الحديث الآخر ينزل عند المنارة البيضاء من مسجد دمشق.

وفي الحديث الصحيح الآخر يحدد لنا رسولنا الكريم مدة مكوثه في الأرض فيقول: (فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى، و يصلي عليه المسلمون).

لا بد أن يذوق الإنسان الموت. عيسى لم يمت وإنما رفع إلى السماء، لذلك سيذوق الموت في نهاية الزمان.

ويخبرنا المولى عز وجل بحوار لم يقع بعد، هو حواره مع عيسى عليه السلام يوم القيامة فيقول:

وَإِذ قَالَ اللهُ يا عِيسَى ابنَ مَريَمَ أَءنتَ قُلتَ لِلناسِ اتخِذُونِي وَأُميَ إِلَـهَينِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَق إِن كُنتُ قُلتُهُ فَقَد عَلِمتَهُ تَعلَمُ مَا فِى نَفسِي وَلاَ أَعلَمُ مَا فِى نَفسِكَ إِنكَ أَنتَ عَلامُ الغُيُوبِ (116) مَا قُلتُ لَهُم إِلا مَا أَمَرتَنِي بِهِ أَنِ اعبُدُوا اللهَ رَبي وَرَبكُم وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيداً ما دُمتُ فِيهِم فَلَما تَوَفيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرقِيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلَى كُل شَىء شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذبهُم فَإِنهُم عِبَادُكَ وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ

هذا هو عيسى بن مريم عليه السلام، آخر الرسل قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.