الثلاثاء، 9 يوليو 2013

تأجير الرحم في العالم العربي بين القوانين والأخلاق)

تأجير الرحم في العالم العربي بين القوانين والأخلاق




مطلوب امرأة بين الـ25 والـ35, متزوجة ولها أولاد لحمل طفل أنبوب" ظهر هذا الإعلان المبوّب في إحدى الجرائد المجانيّة اللبنانية, قبل أسابيع. . على الهاتف صوت امرأة.

صوت رقيق زوّد المتصلة , مؤجرة الرحم المحتملة , بالمعلومات والشروط الضرورية:

"ألف دولار أميركي شهرياً خلال الحمل , والفان عند الوضع".
كما نبهت السيدة أن مؤجرة الرحم لا تتمتع بأي حق في ما يخص الطفل الذي ستلده.

عندها حاولنا أن نطرح بعض الأسئلة الاضافيّة.
اقترحنا أن نلتقيها لاجراء حوار صحافي من دون ذكر هويتها طبعاً.

وعندما اكتشفت أن الاتصال لا يهدف الى الردّ على الاعلان... وعرض رحم, بل هو حشرية صحافية .. تهدّج صوتها ولم تستطع منع نفسها من الرد بحزم مصبوغ بتمني خجول وهو عدم إثارة الموضوع نهائياً في الصحف.

جوابها يؤكد على أنّ ظاهرة تأجير الرحم موجودة في لبنان , لكنها تجري في الخفاء , بعيداً عن الانظار .. لأسباب قانونيّة وشرعيّة , إنّما أيضاً بحكم التقاليد .

فالمرأة الباحثة عن رحم للايجار , ما زالت سجينة تقاليد اجتماعية قد تعيب على الزوجين "عجزهما" عن الانجاب من دون اللجوء إلى وسائل اصطناعيّة مثل طفل الأنبوب... أما في الغرب, فإن ظاهرة تأجير الرحم سائدة اليوم, تخضع لمجموعة من الشروط والضوابط القانونيّة والاخلاقيّة.

وتكثر في الصحافة العروض المغرية والاعلانات المستغيثة.

"
صرخة أطلقها علّ أحداً يستجيب ندائي . مرّت سنوات عدة على زواجي ولم ارزق بطفل.

لا أقدر حمل جنين لأنني اعاني تشوهاً في رحمي ولا أتخيل نفسي من دون طفل. أبحث عن امرأة تؤجّر رحمها .
ستكون اجمل هدية انتظرتها وزوجي في الحياة ..
حين يقع المرء على اعلان مماثل لا يسعه الا أن يشعر بالتعاطف .

لكن حين يرى اعلاناً آخر مفاده "كم ستدفعون لي إن وافقت على تأجير رحمي؟"

يضيع في متاهات عدّة حائراً بين التعاطف الانساني مع امرأة لا تستطيع الحمل , والتساؤل عن قيمة الانسان في سوق لا يسعى سوى الى الربح.

تغصّ المواقع الالكترونية بإعلانات تنافسية فتخال نفسك في سوق مع ما يفترضه ذلك من استجابة لقوانين العرض والطلب .

نساء دفعهن توقهن لطفل الى عرض مال على من يحمل الجنين بدلاً منهن .. وعروض من نساء فقيرات او متعاطفات لتأجير ارحامهن .

أما في لبنان فإن الاعلان الذي اشرنا اليه ظهر مرة واحدة , وسرعان ما اختفى .

فظاهرة تأجير الرحم في لبنان تصادف عوائق عدة قانونية , دينية ودنيوية.

** دليل على الرجولة:
الطبيبة النسائية والمعالجة النفسية , الدكتورة سهى بيطار , تشرح أنّ المرأة التي تلجأ الى أم مستعارة تؤجر رحمها هي تلك التي تعاني تشوهاً خلقياً في الرحم يؤدي مثلاً الى اجهاضات متكرّرة .

الحلّ يكون في نهاية المطاف , بانتقاء بويضات منها وحيوانات منوية من زوجها , توضع في المختبر لمدة يومين لتشكّل نواة الجنين .
بعد ذلك , توضع في رحم الأم المستعارة أو المؤجرة , وتكلّف نفقات المختبر ما يراوح بين الفين وخمسة آلاف دولار أميركي ..

هذا عدا أجر الام المستعارة الذي يبلغ أحياناً 35 الف دولار خصوصاً اذا كان الثنائي ميسوراً .

بالطبع , تأجير الرحم يجري عادة في الخفاء , كما تذكّر الدكتورة بيطار.

فالثنائي الذي فشل في انجاب طفل , يشعر بالخزي خصوصاً في مجتمعات شرقية ما زالت تنظر الى النسل كدليل على الرجولة . ما يجري حقاً في لبنان , هو أنّ المرأة التي لا تستطيع حمل الجنين , تستعين بامها , أختها , او إحدى قريباتها لحمل طفل الأنبوب .

كما أنّ الاستعانة بالأم المستعارة يتطلب إمرأة قوية وشجاعة . لكن , عندما تقرر المرأة الخوض في تجربة مماثلة , لا بد من ان تصادف عقبات وقيوداً كثيرة يتداخل فيها الدين , والقانون والاخلاق بخاصة في لبنان.

وتختلف التشريعات الدينية حول قبول تأجير الارحام.

فالمسيحية , تحظر ظاهرة الام المستعارة بتاتاً بل تمنع التقنيات المساعدة للحمل برمتها فيما خلا الادوية المساعدة على الحمل .

قد يتسامح الاسلام قليلاً , مجيزاً اللجوء الى الأم المستعارة شرط ان تكون متزوجة من زوج المرأة التي لا تقدر على حمل الجنين.

ويوضح نقيب الاطباء في لبنان , محمود شقير , انه يوجد نحو 14 مركزاً في لبنان للتقنيات المساعدة للحمل , فيما تراوح نسبة نجاح هذه التقنيات بين 10 و25 في المئة.

ومن ناحية التشريعات القانونية , يحدّد النقيب ان قانون 1993 الخاص بالتقنيات المساعدة للحمل رقم 30 , الفقرة 8 , ينص على انه لا يجوز استعمال تقنيات الانجاب المساعدة والتلقيح الاصطناعي الا بين الزوجين وبموافقتهما , ما يسد الباب تلقائياً امام الاستعانة بالأم المستعارة او المؤجرة . الا ان بعضهم يتحجج بأن القانون لم يحدد او يتطرق الى الأم المستعارة ما يتيح المجال للاجتهاد .

ويضيف شقير : "في شكل عام, لم تُشرّع هذه المسألة جهاراً ولم تحدد بهذه الدقة".

لكنّ النقيب يكشف أنّ اللجنة الاستشارية الوطنية لأخلاقيات علوم الحياة والصحة قدّمت مشروع قانون حول تقنيات الانجاب المساعدة والابحاث حول الجنين الى الحكومة لمناقشته . "وسيتم التوسع في تنظيم الاوضاع المتعلقة بتقنيات المساعدة للحمل وتحديدها وكل المسائل المتعلقة بها , لكن ما هو أكيد أن ظاهرة تأجير الرحم ستكون ممنوعة".

الدكتورة بيطار تعتبر ان المرأة التي تؤجر رحمها "كمن يستخدم جسده لمكاسب مادية."..

لكنّها تضيف: "ينبغي اعتماد تأجير الرحم, لكن ضمن قيود أهمها ان يأتي في المقام الاخير أي حين يعجز الطب كلياً عن ايجاد حل".
كما تشير الى انه في النيبال مثلاً يكون أحياناً للمرأة زوجان شقيقان , وحين يُسأل الطفل عن ابيه يقول : "لدي اثنان" أي انه لا يصادف أي مشكلات وتعقيدات نفسية او اجتماعية.

الا ان شقير يضيف : "ليست هذه المسألة بسهلة.
انها تمتد لتطول جوانب الحياة كلها مثل : مَن هي الام ؟.. (الشرع يجيب : الام البيولوجية).
ما العمل اذا عادت الام المستعارة بعد عشر سنوات للمطالبة بطفلها ؟.. ماذا عن الارث ؟.. ما العمل بالاجنة المبرّدة التي بقيت في المختبر ؟.. من يأخذ هذه الاجنة ؟.. اذا مات الاب , هل تستطيع الارملة استخدامها او العكس ؟.. "

الى جانب امكان تشريع تأجير الرحم والفوضى الذي قد يتسبب بها في النواحي الاجتماعية , تأتي مسألة الاتجار بالأجنة التي تصبح سهلة محوّلة الجنين اداةً أو وسيلة للربح ..
فأين الانسانية وقدسية الحياة من كل هذا ؟..
وماذا عن الأجنة التي تستخدم "كقطع غيار"

لكن ماذا نقول حين نقع على زوجين جرّبا كل الوسائل , ولم يفلحا ؟ وينظران إلى تأجير الرحم كآخر الحلول الممكنة ؟ السؤال مطروح على المفكّرين والمشرّعين والفقهاء طبعاً.

وهو جزء من سؤال أشمل مطروح على العالم أجمع, انطلاقاً من الاشكالية الابدية : هل العلم حقّاً في خدمة الانسان والتطوّر والرخاء والسعادة ؟.. أم العكس ؟..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق