برق الغمام ..
صحة الأقسام .. عبارة عن استيفاء المتكلم أقسام المعنى الذي هو آخذ فيه ، بحيث لا يغادر منه شيئاً ، ومثال ذلك قوله تعالى : "هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً" .. وليس في رؤية البرق إلا الخوف من الصواعق ، والطمع في الأمطار ، ولا ثالث لهذين القسمين . ومن لطيف ما وقع في هذه الجملة من البلاغة تقديم الخوف على الطمع ، إذ كانت الصواعق تقع من أول برقة ، ولا يحصل المطر إلا بعد توافر البرقات ، فإن تواترها لا يكاد يكذب .. ولهذا كانت العرب تعد سبعين برقة وتنتجع ، فلا تخطئ الغيث والكلأ ، والى هذا أشار المتنبي بقوله :
وقد أرد المياه بغير هاد .. سوى عدّي لها برق الغمام
ومن ذلك قوله تعالى (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) فإنه لا يخلو العالم من هذه الأقسام الثلاثة: أما عاص ظالم لنفسه وإما مطيع مبارد إلى الخيرات وإما مقتصد بينهما، وهذا من أصح التقسيمات وآكملها، فاعرفه. ومن هذا النحو قوله تعالى (وكنتم أزواجاً ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون) الآية. وأعلم أن هذه الآية مماثلة في المعنى لما سبق ذكره، فأصحاب المشأمة هم الظالمون لأنفسهم. وأصحاب الميمنة هم المقتصدون والسابقون هم
السابقون بالخيرات. وعلى نحو من ذلك جاء قوله تعالى (هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعا). ألا ترى إلى بداعة هذه القسمة؟ فإن الناس عند رؤية البرق بين خائف وطامع، وليس لهم ثالث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق