خارج الدائرة ؟!..
حين يمرّ الإنسان
بتجربة فاشلة ، لمَ لا يستطيع أن ينساها فحسب ؟ لم لا يستطيع أن يُلقيها خلف ظهره
، بل ينسفها تمامًا من حياته ، ويبدأ بتجربةٍ جديدة ؟
لطالما تساءلت : أهذا
صعبٌ للحدّ الذي يجعله يُفضّل المعاناة تحت وطأة ذكرياته وفشله ؟
إنّه فقط يتطلب كميّة
ضخمة من الشجاعة وكميّة تماثلها من الإرادة ، ثم سيكون جاهزًا للتحرّر الكلي من
قيود الماضي .
لكن ، من أين يحصلُ
الإنسان على الشجاعة ؟ أو على الإرادة ؟ هل هما شيء فطريّ ؟ أو في تكوين شخصية
الإنسان ؟ أو هما شيء يُكتسب ويزداد بمقدار ما يمرّ به الإنسان من مواقف تتطلب
التحلّي بهما ؟
حقيقةً لستُ أدري ،
فقد تعوّدتُ مُذ صغري أن أمحي من حياتي كلّ ما يُزعجني ، وأرمي بتجاربي الفاشلة
في أقرب سلةِ مهملات ، كنتُ دومًا املك كميّة الإرادة اللازمة لإنهاءِ مشاكلي قبل
أن تتفاقم ،
وإن كنتُ
غالبًا – و بصراحة شديدة – لا أُنهيها في
الوقت المناسب ، لكنّي أُنهيها وهذا هو المهم ، أثناء التجربة أو
المشكلة كنت أُوجد لنفسي ألف تبريرٍ لأصبر واتحمّل ، واقول : ليس بعد ، استطيع
أن اصبر يومًا آخر ، كنت ابحث عن أي شيءٍ وأي شخصٍ أُلقي عليه اللوم كوني عالقة
في تلك التجربة السيئة ، حتى لو كان قطعة من لعبة مكسورة خطوتُ عليها فآلمتني ، أو
ذبابة تحوم حولي بطنينها المزعج ، لكن في الواقع ، لا
يجب أن نلوم أحدًا كوننا عالقين في تجربةٍ تخصنا نحن لا هم !
لأننا لو أردنا أن
ننهيها في الحال ، سننهيها ببساطة ، لكننا لا نريد ، وهنا تكمن المشكلة ، و يكمن
أيضًا الحلّ ، أو لنقل الخطوة الأولى نحو الخلاص !
***
دعونا نتخيّل قليلًا
:
أنّنا البشر في مكانٍ
آخر ، عبارة عن كائنات صغيرة ، سابحة في فضاءٍ لا متناهي ، فضاءٍ واسع ومظلم وبارد ، لكنّه ليس فارغًا ، بل به دوائر كثيرة ، دوائر جميلة مضيئة متعددة الألوان
ودافئة ، برأيكم ، أيّ شيءٍ
سنفضّل ؟ السباحة في الفضاء الموحش ؟ أو الأمان داخل الدائرة ؟ يبدو سؤالًا سخيفًا
، ولا يحتاج لإجابة ، لكن ، ماذا لو أن
الأمان داخل الدائرة يكلّفك أهمّ حقٍ من حقوقك كإنسان ؟ بل يسلبك أهمّ ما أعطاك
الله إيّاه ؟ وهو الحريّة .
الدائرة مهما كانت
جميلة وملوّنة ودافئة ، تظلّ سجنًا ، تُشعرك بأمانٍ زائف ، وتسلبك حريّتك ، وبالتالي تغتال فيك شعورك بالحياة !
كلّ تجربةٍ تمرّ بها
، هي دائرة ، تقيّدك داخلها ، وتستنفذُ طاقتك و حيويّتك ،
لا تستطيع نسيانها ،
أو تجاوزها ، لأنّك ببساطة خائف ، خائف من الفضاء الموحش خارجها ، ومفزوع من
مجرّد فكرة أنّك بمجرد خروجك ستجذبك دائرة جديدة وتحبسك داخلها ، وتضطرُ للمرور
بفصول مسرحيّة جديدة من المعاناة !
لكن صدّقني ، المرور
بتجربةِ فاشلة جديدة خيرٌ لك ألف ألف مرّة من قضاء عمرك كلّه مقيدًا بتجربةٍ واحدة
، كساها التراب ، واصبحت تاريخًا لا سبيل لعودته !
إننا لا ننسى أو
نتبرّع بملابسنا القديمة إلا إذا حصلنا على أخرى جديدة ، وهكذا يجري الأمر في
حياتنا ، غالبًا نحن لا نستطيع
هدم الماضي ما لم نُوجِد شيئًا نستطيع به سدّ الثقب الذي أخلفه الهدم ، تمامًا كما
يملأ الإسمنت شقوق الجدار ، نحتاج لإسمنت خاصٍ بنا ، يلائم الشقّ الذي خلّفته
التجربة الفاشلة فينا ، أو بلفظٍ آخر نحتاجُ
للخروج من الدائرة ، والسباحة في الفضاء بحريّة ، حتى تتخلّص أرواحنا تمامًا من
آثار القيود ثمّ يحين موعد دخولنا لدئرةٍ أخرى ، وهكذا ..
حين نكون داخل
الدائرة ، نتوهّم بأنّها هي كل ما نريده ، وأنّها كلّ شيء في حياتنا ، وأنّها
الشيء الذي خُلقنا له ، هكذا يكون الجنين في بطن أمّه ، لأنّه لم يرَ الحياة
خارجها بعد ، وحين يخرج يُدرك
رويدًا رويدًا أنّ الحياة أوسع ، وأجمل ، وتبدأ أشياء أخرى في إحتلال منطقة (
الأهم شيء ) في حياته ،
أيّها البشر : نحتاجُ
لأنّ نعيش خارج كلّ الأطر والدوائر الدنيويّة ، وأن ندرك ونحن في وعينا الكامل
أنّ أنفسنا هي أهمّ شيء بالنسبة لنا ، ليس من منطلقٍ أنانيّ ، بل لأجل أن نتحرّر
من عبودية الأشياء والأشخاص في حياتنا ، ونُخلص عبوديتنا للخالق وحده ، لأنّ لا
شيء يستمر ، وليس بإمكان أحدٍ أن يعدنا بالبقاء والخلود إلى جانبنا ، سواه
سبحانه ..
" كل من عليها
فانٍ و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام "
***
إذن ، أعود لاتساءل :
هل تحرّرك من ماضيك صعبٌ للحدّ الذي يجعلك تُفضّل المعاناة تحت وطأة ذكرياتك وفشلك ؟
الحياة تنتظر منّا
أحيانًا قرارات قاسية لتستقيم لنا ، الحياة مُثيرة لأنّها تجعلنا نتساءل باستمرارٍ
ماذا سيحدث الآن ؟ ماذا سيحدث غدًا ؟
لا تكن غبيًا ، وتضيّع عمرك ، وحياتك الواحدة في تجربةٍ انتهت مدة صلاحيتك للعيش فيها ، اكسر الدائرة ، وانطلق ، خض مغامراتٍ صعبة ، افشل و تعلّم ، ارسب ثمّ انجح ، استمرّ بالتقدم ، وارمِ كلّ ما يعيقك خلف ظهرك بلا رجعة ، وبدون أن تلتفت ، الحياة تحتاجُ للإنطلاق
ولبعضِ الجنون لتكون حياةً تستحقّ أن تُعاش ،
أتمنّى للجميع سباحة
ممتعة في الفضاء ، بلا قيود :) !
للأمانة منقول من مدونة ه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق