الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

خارج الدائرة ؟!..

خارج الدائرة ؟!..


حين يمرّ الإنسان بتجربة فاشلة ، لمَ لا يستطيع أن ينساها فحسب ؟ لم لا يستطيع أن يُلقيها خلف ظهره ، بل ينسفها تمامًا من حياته ، ويبدأ بتجربةٍ جديدة ؟

لطالما تساءلت : أهذا صعبٌ للحدّ الذي يجعله يُفضّل المعاناة تحت وطأة ذكرياته وفشله ؟

إنّه فقط يتطلب كميّة ضخمة من الشجاعة وكميّة تماثلها من الإرادة ، ثم سيكون جاهزًا للتحرّر الكلي من قيود الماضي .

لكن ، من أين يحصلُ الإنسان على الشجاعة ؟ أو على الإرادة ؟ هل هما شيء فطريّ ؟ أو في تكوين شخصية الإنسان ؟ أو هما شيء يُكتسب ويزداد بمقدار ما يمرّ به الإنسان من مواقف تتطلب التحلّي بهما ؟

حقيقةً لستُ أدري ، فقد تعوّدتُ مُذ صغري أن أمحي من حياتي كلّ ما يُزعجني ، وأرمي بتجاربي الفاشلة في أقرب سلةِ مهملات ، كنتُ دومًا املك كميّة الإرادة اللازمة لإنهاءِ مشاكلي قبل أن تتفاقم ،
وإن كنتُ غالبًا  – و بصراحة شديدة – لا أُنهيها في الوقت المناسب ، لكنّي أُنهيها وهذا هو المهم ، أثناء التجربة أو المشكلة كنت أُوجد لنفسي ألف تبريرٍ لأصبر واتحمّل ، واقول : ليس بعد ، استطيع أن اصبر يومًا آخر ، كنت ابحث عن أي شيءٍ وأي شخصٍ أُلقي عليه اللوم كوني عالقة في تلك التجربة السيئة ، حتى لو كان قطعة من لعبة مكسورة خطوتُ عليها فآلمتني ، أو ذبابة تحوم حولي بطنينها المزعج ، لكن في الواقع ، لا يجب أن نلوم أحدًا كوننا عالقين في تجربةٍ تخصنا نحن لا هم !
 
لأننا لو أردنا أن ننهيها في الحال ، سننهيها ببساطة ، لكننا لا نريد ، وهنا تكمن المشكلة ، و يكمن أيضًا الحلّ ، أو لنقل الخطوة الأولى نحو الخلاص !

***
 
دعونا نتخيّل قليلًا :

أنّنا البشر في مكانٍ آخر ، عبارة عن كائنات صغيرة ، سابحة في فضاءٍ لا متناهي ، فضاءٍ واسع ومظلم وبارد ، لكنّه ليس فارغًا ، بل به دوائر كثيرة ، دوائر جميلة مضيئة متعددة الألوان ودافئة ، برأيكم ، أيّ شيءٍ سنفضّل ؟ السباحة في الفضاء الموحش ؟ أو الأمان داخل الدائرة ؟ يبدو سؤالًا سخيفًا ، ولا يحتاج لإجابة ، لكن ، ماذا لو أن الأمان داخل الدائرة يكلّفك أهمّ حقٍ من حقوقك كإنسان ؟ بل يسلبك أهمّ ما أعطاك الله إيّاه ؟ وهو الحريّة .

الدائرة مهما كانت جميلة وملوّنة ودافئة ، تظلّ سجنًا ، تُشعرك بأمانٍ زائف ، وتسلبك حريّتك ، وبالتالي تغتال فيك شعورك بالحياة !

كلّ تجربةٍ تمرّ بها ، هي دائرة ، تقيّدك داخلها ، وتستنفذُ طاقتك و حيويّتك ،
لا تستطيع نسيانها ، أو تجاوزها ، لأنّك ببساطة خائف ، خائف من الفضاء الموحش خارجها ، ومفزوع من مجرّد فكرة أنّك بمجرد خروجك ستجذبك دائرة جديدة وتحبسك داخلها ، وتضطرُ للمرور بفصول مسرحيّة جديدة من المعاناة !

لكن صدّقني ، المرور بتجربةِ فاشلة جديدة خيرٌ لك ألف ألف مرّة من قضاء عمرك كلّه مقيدًا بتجربةٍ واحدة ، كساها التراب ، واصبحت تاريخًا لا سبيل لعودته !

إننا لا ننسى أو نتبرّع بملابسنا القديمة إلا إذا حصلنا على أخرى جديدة ، وهكذا يجري الأمر في حياتنا ، غالبًا نحن لا نستطيع هدم الماضي ما لم نُوجِد شيئًا نستطيع به سدّ الثقب الذي أخلفه الهدم ، تمامًا كما يملأ الإسمنت شقوق الجدار ، نحتاج لإسمنت خاصٍ بنا ، يلائم الشقّ الذي خلّفته التجربة الفاشلة فينا ، أو بلفظٍ آخر نحتاجُ للخروج من الدائرة ، والسباحة في الفضاء بحريّة ، حتى تتخلّص أرواحنا تمامًا من آثار القيود ثمّ يحين موعد دخولنا لدئرةٍ أخرى ، وهكذا ..

حين نكون داخل الدائرة ، نتوهّم بأنّها هي كل ما نريده ، وأنّها كلّ شيء في حياتنا ، وأنّها الشيء الذي خُلقنا له ، هكذا يكون الجنين في بطن أمّه ، لأنّه لم يرَ الحياة خارجها بعد ، وحين يخرج يُدرك رويدًا رويدًا أنّ الحياة أوسع ، وأجمل ، وتبدأ أشياء أخرى في إحتلال منطقة ( الأهم شيء ) في حياته ،

أيّها البشر : نحتاجُ لأنّ نعيش خارج كلّ الأطر والدوائر الدنيويّة ، وأن ندرك ونحن في وعينا الكامل أنّ أنفسنا هي أهمّ شيء بالنسبة لنا ، ليس من منطلقٍ أنانيّ ، بل لأجل أن نتحرّر من عبودية الأشياء والأشخاص في حياتنا ، ونُخلص عبوديتنا للخالق وحده ، لأنّ لا شيء يستمر ، وليس بإمكان أحدٍ أن يعدنا بالبقاء والخلود إلى جانبنا ، سواه سبحانه ..

" كل من عليها فانٍ و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام "

***

إذن ، أعود لاتساءل : هل تحرّرك من ماضيك صعبٌ للحدّ الذي يجعلك تُفضّل المعاناة تحت وطأة ذكرياتك وفشلك ؟

الحياة تنتظر منّا أحيانًا قرارات قاسية لتستقيم لنا ، الحياة مُثيرة لأنّها تجعلنا نتساءل باستمرارٍ ماذا سيحدث الآن ؟ ماذا سيحدث غدًا ؟

لا تكن غبيًا ، وتضيّع عمرك ، وحياتك الواحدة في تجربةٍ انتهت مدة صلاحيتك للعيش فيها ، اكسر الدائرة ، وانطلق ، خض مغامراتٍ صعبة ، افشل و تعلّم ، ارسب ثمّ انجح ، استمرّ بالتقدم ، وارمِ كلّ ما يعيقك خلف ظهرك بلا رجعة ، وبدون أن تلتفت ، الحياة تحتاجُ للإنطلاق ولبعضِ الجنون لتكون حياةً تستحقّ أن تُعاش ،

أتمنّى للجميع سباحة ممتعة في الفضاء ، بلا قيود :) !
 
للأمانة منقول من مدونة ه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق