لـن تـمـــــروا ..
كان فارس طفلاً عادياً يحب السبانخ ولحم الحبش يعشق الدبكة الشعبية ودروس الرياضة والدين. كان حنوناً إذا اشترى شيئاً لا يأكل منه إلا بعد إخوته وكان حنانه على أمه أكثرمن إخوته لذلك كانت له معزة خاصة في قلبها بسبب حنانه الزائد. ولم يكن طفلاً عادياً بل كان شقياً يقفز من أماكن مرتفعة وكان والداه يخافان عليه أكثر من إخوته وكان جريئاً وشهماً ولم ير في مثل سنه تلك الجرأة فكان أبوه يرسله بعد منتصف الليل لشراء الحاجات بعد أن يطلب من إخوته فيمتنعون لأنهم خائفون ويجد فارس يقوم ويذهب وحده لإحضار ما يريدون ولا يخاف. ولم يكن طفلاً عادياً بل كان داخله كمية غضب هائلة ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي.
يستقيظ فارس في صباح ذاك اليوم وهو الذي يحفظ أغاني الانتفاضة ويرددها ويجلس على الشباك ويسمع صوت إطلاق النار فيقفز من مكانه ويقول هذا اشتباك أو رصاص حي أو مطاطي وهذه قنبلة غاز أو قنبلة صوت. ومرة قال "آه يا أمي لو أن لديكي مالاً فنشتري سلاحاً " فتسأله : أتعرف في السلاح يا فارس ؟ فيقول لها: سأتدرب عليه وانا أرى السلطة الوطنية وهم يستخدمون السلاح وسأتعلم منهم . ليخرج بعد الظهر و يسجل اسمه في المتطوعين الذين يرغبون في التدريب على السلاح دون معرفة أمه بذلك.
بلغ فارس عامه السابع وحدثت الانتفاضة الأولى ليخرج فيها هذا الطفل ليلقي الحجر فتخاف أمه عليه فتقول له : الحجر لن يفعل شيئاً فيقول: حجري قنبلة وسيفجر اليهود تفجيراُ.ينتهي العصر وتقارب الشمس على المغيب عندما يرى فارس جندياً اسرائيلياً يخرج الكاوتشوك ويشعل فيه ناراً ليعمل متاريساً أمام بيته؛ يراه الجنود الاسرائيليون فيدخلون البيت لضرب أفراد العائلة جميعاً دون استثناء .. ذكوراً وإناثاً ... مما جعل العائلة تنتقل من المنزل إلى منزل آخر في منطقة داخلية بعيدة عن تواجد الجنود.
يحزن فارس لذلك ، فيخرج في صباح اليوم التالي أحد المسؤولين عن الجهاد في المنطقة ويطلب منه المشاركة فيقول له : انت صغير فيغضب، فيعطيه منشورات وبيانات ليقوم بتوزيعها وكان يفعل ذلك بمنتهى الجدية والحماس.
تمر الأيام وتشتعل الانتفاضة بعد تدنيس شارون للمسجد الأقصى ليفاجأ والده باعتقال الشرطة الفلسطينية في غزة لفارس مع شقيقيه جميل ومحمد واتصلوا به فذهب لإخراجهم وسأل الضابط المسؤول :لماذا أمسكتموهم ؟ فقال : لأن فارس كان يحاول العبور لليهود من السلك الشائك عند مستعمرة (نتساريم) وكانوا يطلقون النار بكثافة فخفنا عليه وأمسكناه.
ويمرالأسبوع الأول للانتفاضة ويواجه فارس أحد الجنود الإسرائيليين فيقول له : "اذهب لأمك" انت طفل صغير ماذا أتى بك هنا ؟! فما كان من فارس إلا أن جرى وراءه بحجر فهرب منه وفارس يصرخ "انت من الذي أتى بك هنا هذه ارضي!!". يهرب الجندي ويتجه فارس إلى معبر المنطار ليلاقي صديقه رامي هناك ، فيتعمد تحدي الدبابة والاقتراب منها وأحياناً كان يقوم بممارسة هوايته في الدبكة الشعبية على بعد أمتار قليلة منها.وعندما يسأله رامي: لماذا تفعل ذلك ؟ كان يجيب بأغنية :" لو كسروا عظامي مش خايف ولو هدوا البيت مش خايف ".
اعتاد فارس ألا يستمر في المدرسة أكثر من ثلاث حصص وفي الفسحة يهرب إلى تل المنطار وهي منطقة المواجهة الشهيرة في غزة . ورغم أنه لم يكن يحضر أكثر من الحصة الثالثة إلا أن درجات امتحان الشهر الذي حضره تشير الى تفوقه. يخرج من المدرسة ليلقي الحجارة على سيارات الجيب الإسرائيلية والجنود لا ينزلون منها خوفاً من الحجارة .
ويشرق صباح جديد .. ويخرج من المدرسة بعد الحصة الثالثة ليصنع زجاجة مولوتوف يحرق فيها دبابة ليهزأ بالجنود ويدبك أمامهم فلا يستطيعون الإمساك به أو اصابته فيرمونه بالغاز. يعود إلى البيت لترى أمه ما حل به فتمنعه من ذلك وتحذره وتقول له: أنت لا تعرف أين تصيبك رصاصات اليهود ويمكن أن تقضي حياتك عاجزاً ولا تستشهد، فيرد : والله سأستشهد والله سأستشهد!!. يعلم أبوه بالأمر فيقلق عليه ويغلق عليه البيت حتى لا يخرج .. فما كان من فارس إلا أن قفز من شباك المطبخ بارتفاع ثلاثة أمتار ونصف وهرب إلى المنطار ، فتتبعه أمه لتحضره من المواجهات وعندما رآها عاد قبلها وقال بأنه كان يلعب الكرة مع أولاد عمه وعند سؤالهم يكذبون لأنهم كانوا أيضاً في المنطار. لم تكن الأم قادرة على فارس الذي كان يستفزه منظر الدم في التلفزيون واذا رأى مصاباً أو شهيداً يصيح كالمحموم وتغلي الدماء في عروقه ويقفز ويختفي وعدة مرات تجري أمه وراءه في الشارع وهو حافي القدمين لتمسكه وعندما يختفي من أمامها تعرف مكانه دون سؤال أحد فتذهب للمنطار. وكانت دائماً تحاول تهدئته فيقول: "اليهود يضربوننا .. اليهود عبروا على الاقصى والاقصى لنا ولابد أن نأخذه".. فتقول له: يافارس أنت صغير دع الأقصى للكبار".. فيقول: "الكبار لا يأخذون شيئاً نحن الصغار نأخذه .. نحن سنعيد كل ما أخذه اليهود" وتقول له: يافارس الإسرائيليون هوايتهم الإصابات التي تجعلك عاجزاً أو مشلولاً فيرد أنه لن يصبح عاجزاً أو مشلولاً. وبرغم كل محاولاتها معه لم تتوان عن الذهاب الى المنطار يومياً لإحضاره وبعد أن تحضره يضربه أبوه بشدة فيغلق على نفسه الحجرة بالمفتاح ويصيح لأبوه.. "لو كسروا عظامي مش خايف ولو هدوا البيت مش خايف" ويغنيها لابوه وهو يدبك..
وفي أحد الأيام جاءت ابنة عمه في السادسة صباحاً إلى أمه وقالت "ألم تشاهدي فارس أمام الدبابة على التليفزيون" وقالت لها: لا لم أره ،اذهب كل يوم لاحضاره وأنا رأيته قريباً من الدبابة فقالت للأم : افتحي التليفزيون وكان هو نائماً: فأيقظته وبكت وهي تراه على الشاشة أمام الدبابات يقذف الحجارة ويقول : لن تمروا .. لن تمروا ... ولا يخاف فتوسل إلى أمه ألا تخبر أباه لكنه بعد تصويره سرق من خاله الشرطي لثاماً كانت تسلمه لهم قوات الشرطة الفلسطينينة وذلك ليخفي وجهه حتى لا يعرفوه إذا تم تصويره.
------
كل ذلك لم يثن فارس عن الخروج للمواجهات ففي صبيحة اليوم التالي بدأ فارس بأخذ ملابس في حقيبة المدرسة ليبدلها قبل عودته من تل المنطار خوفا من أن يروا الدماء على ملابسه أو التراب إذا وقع من جراء قنابل الغاز المسيل للدموع ليثبت لأبيه أنه لم يذهب للمنطار. ومرة أخرى .. يكشف فارس أمام أبيه ويحبسه في حجرته لكنه يتمكن من الهرب عبر النافذة والنزول مستخدماً أنبوب المجاري .
لم يستطع والديه اقناعه بتخفيف خروجه للمواجهات فجاءه عمه و قال له "يافارس شادي استشهد ولم يحصل شيء" فقال له: "لا يتكلمن أحدكم معي .. يجب أن أقاتل اليهود حتى يخرجوا من بلادنا". ويخرج فارس ويطلب من خالته اكليل الزهور الذي وضعوه على جثمان الشهيد شادي في الجنازة فأعطته له وانقبض قلب أمه لما رأته وسألته: لماذا أحضرت الأكليل يافارس؟ فقال: أريد ان أضع صورتي فيه فصرخت :"صورة من ؟؟" فقال: صورة الشهيد فارس .. وأخذت تتوسل اليه أن يرجع الاكليل الى خالته وقالت له : قلوبنا محروقة على ابن خالتك شادي "فلا تخوفنا" ،فقال :"لا تخافي ياأمي الشهادة جميلة وأنا فداء الأقصى" هو يقول ذلك وأمه تبكي وتقول له : عمرك 14سنة مازلت صغيراً !! ،فيقول: "لا .. أنا عمري اكثر من 20سنة وأريد وضع صورتي في الاكليل" وفعلاً وضع الصورة في الأكليل وخبأه من والده على سطح المنزل.
ويأتي يوم ميلاده ويكمل فارس عامه الرابع عشر ويطلب من أمه إقامة حفلة ولكنها ترفض .. فيذهب إلى زوجة خاله فيقول : أقيموا لي عيد ميلاد وإلا احتفلت به في المنطار..
وبعدها بأربعة عشر يوماً استيقظ فارس مبكراً في السادسة صباحاً وقال: ياأمي حلمت أن شادي ابن خالتي جاءني في المنام وقال لي : فارس.. فارس اذهب إلى المنطار ، فقلت له: نعم أريد أن أثأر لك .. ، فأخذت الأم تبكي وتقول له : يافارس الثأر لن يأخذه الحجر ،والحجر لن يفعل شيئاً أمام الدبابة فقال:"والله ياأمي الحجر يهزهم هزاً" وتقول له: "الحجر لا ينفع" فيصرخ: "بلى ينفع .. لاتقولي لا ينفع !!". وبعد ذلك ارتدى ملابس جديدة فقالت له أمه: يافارس هذه ليست ملابس المدرسة.. وأنت ذاهب للمنطار، فاقسم أنه سيذهب إلى المدرسة واتجه للباب ثم توقف وعاد ونظر الى وجه أمه يتأمله وسألته "أتريد شيئاً يافارس؟".. قال: لا.. وفي هذه الأثناء كان زملاؤه ينادون عليه حتى لا يتأخروا عن المدرسة ويدقون جرس البيت لكنه ذهب مرة ثانية الى الباب ثم عاد ينظر لأمه في استغراب وتسأله وهو يرد : لا ،وانقبض قلبها عندما فعلها لثالث مرة وحدثتها نفسها أن شيئاً سيحدث وقبل أن يخرج قال "مع السلامة يا أمي" .. فقالت له : "مع السلامة يافارس. لا تذهب إلى المنطار" .. فقال: "والله ذاهب إلى المدرسة" وكانت أول مرة يقسم أنه ذاهب للمدرسة وخرجت مسرعة للشباك فوجدته واقفاً يتأمل البيت من الخارج بينما زملاؤه سبقوه الى المدرسة. وكررت عليه يافارس لا تذهب الى المنطار وظلت تراقبه حتى غاب عن عينيها واتجه الى المنطار ولم يكونوا موجودين في ذلك الوقت المبكر، فذهب الى المدرسة متأخراً فسأله المدير: اين كنت؟ فقال: "كنت أشتري أغراضاً لأمي"، فصدقه المدير وأدخله المدرسة فسأله فارس :هل سجلت غائباً الحصة الأولى؟ فسامحه المدير وقال له : أنت حضور ،ولا تتأخر ثانية. وبالفعل حضر الحصة الثانية والثالثة وبعدها خرجوا للفسحة وكان زملاؤه يلعبون لكن فارس قال لأحد زملائه "أتأتي معي إلى المنطار" فرفض وقال إن أمك ستأتي للمدرسة ولن تجدك فستذهب للمنطار .. فرد عليه فارس "اسمعني.. في أذني من يردد أنني سأستشهد اليوم" ورفض زميله لكنه ساعده في تسلق سور المدرسة للذهاب للمنطار ،وبعد أن قفز من على السور قال لصاحبه : اذهب وقل للمدير فارس استشهد.
توجه فارس الى المنطار وهناك ضربه جندي من الشرطة الفلسطينية بجلدة على ظهره لأنه كان يقترب كثيراً من الدبابات وقال له لا تواجه من قرب وابتعد قليلاً ، ولكنه لم يستمع له وأخذ يقذف الحجارة على الدبابة من مسافة قريبة تقدر بأقل من خمسة أمتار ومن حماسه انخلع حذاؤه فاستدار ليأخذه فأطلقوا النار عليه من الدبابة فأصابوه في عنقه وكان على رشاش الدبابة كاتم صوت لذلك لم يعرف زملاؤه انه أصيب فقال لأحدهم : أحضر لي حذائى.. فرد عليه: "أنا لست مجنوناً الحذاء أمام الدبابة تعال بسرعة ابتعد عن الدبابة" .. فقال لهم : أنا أصبت فقالوا كذاب يافارس ما سمعنا صوت رصاص ولم يصدقوا إلا بعد ان ارتمى عليهم ومال برقبته على الأرض فرأوا مكان اصابته والدماء تسيل على ملابسه.
----
وعندما رآه الجندي الاسرائيلي ارتمى بين زملائه وهم يريدون إسعافه أطلق النار عليهم جميعها فانبطحوا أرضا ومعهم فارس وزاد إطلاق النار بشكل مكثف وعشوائي باتجاههم وظل فارس ينزف على الارض ولم يستطيعوا إسعافه وزحفوا بعيداً لكنه لم يستطع لاصابته وظل ينزف على الارض وبعد حوالي ساعة توقف الرصاص فسحبوه وكان فاقد الوعي بلا حراك وحمله أحدهم وجرى به على الإسفلت بحثا عن سيارة تنقله لمستشفى الشفاء ولم تكن هناك سيارات اسعاف لأن الوقت كان مبكراً على المواجهات التي تكون مع خروج الطلاب من المدارس.
اتصلوا بأمه من المنطار وقالوا لها : فارس أصيب .. فقالت لهم: فارس لم يصب أنا أكيدة من استشهاده اليوم، وقالوا لها: اذهبي إلى مستشفى الشفاء .. فوصلت إلى هناك بسرعة وقابلت الطبيبة وقالت لها: فارس مصاب ... فأخذت تدعو الله وتقول الحمد لله وتتمسك بالأمل ان يظل مصاباً وسألت الطبيبة: أريحني أنا أعرف أنه شهيد ... فقالت : سيحتاج عملية لأربع ساعات .. قالت: ولو عشر ساعات سأظل هنا حتى أطمئن عليه ... فقالت لها: "اذهبي" ... فقالت الأم: لا .. وجاءها أحد الشباب الذين أحضروه إلى المستشفى وأخبرها بأن فارس استشهد في المنطار وأحضروه الى هنا شهيداً و فقدت الوعي لتفيق بعد ذلك في البيت بعد أن نقلوها إلى هناك. ويذهب أخوه سعيد إلى أبيه في العمل ويقول له : فارس أصيب .. سأله: أين اصابته فقال: في الرأس وأدخلوه غرفة العمليات .. فقال الأب: الحمد لله .. فارس استشهد ،وذهب الى مستشفى الشفاء ولم يستطع الدخول لرؤيته فعاد إلى البيت وبعد الظهر اتصلوا به للحضور لأخذ بياناته وعاد للمستشفى وقال لهم :أنا والد الشهيد فارس وأريد ان أراه.. ووجده مسجى في صالة واسعة وليس في الثلاجة ودخل عليه ووضع يديه عليه وقال له: مبروك عليك الشهادة يافارس أنت قبلتها وأردتها وهي اختارتك ياشهيد وودعه وقبله وقال: السلام عليكم.
وفي العزاء حضر شرطي فلسطيني وقص على أهله بأنه ذات مرة أطلق الجنود الاسرائيليون الناروحاول الشرطي انقاذ فارس عندما أطلقوا النار على رأسه فاحتضنه الشرطي فأصابته الرصاصة في يده وأغرقت الدماء ملابس فارس وعندما عاد صرخت أمه وظنت انه أصيب لكنه قال: "كنا نسعف المصابين ولم يحدث لي شيء " إلا أن الحقيقة لم تظهر إلا بعد استشهاده لتخرج أمه إلى شجر الزيتون وراء البيت فتجده قد خبأ مقلاعاً بين الشجر.
وبعد استشهاده .. ظهر قاتله على التلفزيون الاسرائيلي وهو من الدروز واعترف بضربه بالدبابة برصاص عيار 500 ملم فقطع أوتار رقبته من كثرة استفزاز فارس له.
في اليوم الثامن الذي أعقب استشهاده تأخر أخوه محمد في العودة وكان أبوه نائماً. فسمع صوت الجرس فنادى وهو نائم "فارس ابني افتح لأخوك وذهبت أمه لابوه فأيقظته وقالت له : وحد الله واتشهد فارس شهيد الآن".
وعلى مائدة الإفطار جلس عيسى ابن الخامسة تاركاً بينه وبين والدته مقعداً فارغاً مزيناً بإكليل من الورد تتوسطه صورة الشهيد فارس عودة ابن الرابعة عشرة.وكانت العائلة المكونة من ستة أفراد تنتظر مدفع الإفطار وهي تمعن النظر باتجاه مقعد فارس.. كانوا جميعاً يعقتدون بأنه جالس معهم على مائدة الإفطار بينما كان عيسى وهو أصغرهم يدرك عكس ذلك وإلا لكان ملأ الدنيا ضحكاً وضجيجاً بمداعبات فارس. كانت والدة فارس والملقبة "بأم السعيد" تكابر أمام أولادها فتخبئ دمعاً في عينين ذابلتين وألماً في قلب كسير وتطلب من طفلها عيسى ترديد أغنية فارس المفضلة التي طالما ردداها معاً.
" لو كسروا عظامي مش خايف لو هدوا البيت مش خايف " كان عيسى يردد أنشودة فارس بطلاقة لا تتناسب مع صغر سنه وان عجز لسانه بفعل الدموع التي كادت تخنقه في إكمال الأنشودة حتى نهايتها.
شهور والأم تجري وراء فارس من المنطار إلى (نتساريم) إلى (ايريز) إلى بيت حانون ولم تصنه ولم تحفظه من الموت ولم تستطع حمايته من اليهود.. وهل من العدل أن طفلاً يقذف حجراً على دبابة فترد برصاص 500مم في رقبته وتقطع شرايينه ويتركوه ينزف حتى الموت في أي عالم نحن وفي أي دولة يحدث هذا غير في فلسطين؟؟!! واستشهد فارس في 9 نوفمبر في معبر كارني بعد عشرة أيام من التقاط الصورة الشهيرة له وهو يقذف دبابة اسرائيلية بحجر صارخاً : لن تمروا ... فقد أطلق عليه النار وهو ينحني لالتقاط حجر..
ترجل الفارس بعد أن سجل للتاريخ صورة طفل تحدى بعظامه ولحمه الطري دبابة ..ترجل الفارس ولا تزال الصورة تنطلق بأشياء وأشياء دم وعظام تقفز من أسرتها ومن بين ألعابها لتقاوم دبابة ترجل فارس وظل عيسى يردد من بعده بجانب مقعده الفارغ على مائدة رمضان " لو كسروا عظامي مش خايف.. ولو هدوا البيت مش خايف ".
انتهت
وانتهت قصة بطل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق