موقع لقاء النبي موسى عليه السلام والخضر في سيناء
حدد الباحث ٥ مواقع تؤكد نظريته وهي مجمع البحرين (الموقع العام للقاء بين موسى عليه السلام والخضر ، صخرة الحوت (نقطة اللقاء بين موسى عليه السلام والخضر ، الممر المائي (سبيل الحوت للخروج للمياه العميقة)، صخرة الارتداد (نقطة الارتداد واكتشاف فقدان الحوت)، الرصيف البحري (موقع انطلاق رحلة سفينة موسى عليه السلام مع الخض .
أكد الباحث عماد مهدي، عضو «جمعية الأثريين العرب»، في دراسة علمية حديثة أن منطقة رأس محمد بسيناء هي موقع لقاء نبي الله موسى بالعبد الصالح الخضر ، وذلك بناء على المعلومات التاريخية والنصوص القرآنية والمسح التصويري الفضائي باستخدام تقنية تصوير الأقمار الصناعية للمواقع.
وأشار الباحث وفق ما نشرته شبكة الإعلام العربية «محيط» إلى أن أرض سيناء شهدت هذا اللقاء بين موسى والخضر(عليهما السلام)، وذلك منذ ٣٢٠٠ سنة في الموقع المذكور في القرآن الكريم (مجمع البحرين) بمنطقة رأس محمد بشرم الشيخ عند نقطة التقاء خليج العقبة وخليج السويس بجنوب سيناء.
حدد الباحث ٥ مواقع تؤكد نظريته وهي مجمع البحرين (الموقع العام للقاء بين موسى والخضر(عليهما السلام))، صخرة الحوت (نقطة اللقاء بين موسى(عليه السلام) والخضر ، الممر المائي (سبيل الحوت للخروج للمياه العميقة)، صخرة الارتداد (نقطة الارتداد واكتشاف فقدان الحوت)، الرصيف البحري (موقع انطلاق رحلة سفينة موسى(عليه السلام) مع الخضر .
مجمع البحرين
ذكرت قصة لقاء نبي الله موسى والخضر (عليهما السلام)في القرآن الكريم في سورة الكهف من الآية ٦٠/٨٢ وبدأت القصة بذكر موقع اللقاء الذي لا يقل أهمية عن أحداث هذه القصة التي أثير حولها الكثير من الجدل التاريخي.
وعن تحديد مجمع البحرين يشير الباحث لذكره في القرآن الكريم في قصة نبي الله موسى والخضر في سورة الكهف (وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا * فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا) وكلمة «مجمع» كما جاءت في صحيح اللغة تعني«جمعت الشيء المتفرق فاجتمع» وهذا التوصيف اللغوي لكلمة «مجمع البحرين» لا ينطبق جغرافيا في أي مكان في العالم إلا على رأس محمد وهي مجمع خليجي العقبة والسويس في بحر واحد هو البحر الأحمر.
ولفظ «مجمع» يختلف عن لفظ التقاء مثل التقاء البحر المتوسط مع المحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق (نظرية طنجة القديمة) أو التقاء خليج البحرين مع خليج عمان (بحر فارس) وهما خليجان يلتقيان بعضهما مع البعض ولا يجتمعان في بحر أو محيط واحد كما هو الوضع الجغرافي في رأس محمد حيث تجتمع مياه خليج العقبة وخليج السويس في البحر الأحمر بشرم الشيخ.
وتتبين دقة التوصيف القرآني وإعجازه اللفظي والعلمي في توصيف المكان وقد أوضح القرآن الكريم في عدة آيات توصيفات مختلفة للطبيعة البحرية للبحار والأنهار من مرج البحار أو التقاء البحار أو مجمع البحار في سورة الرحمن آية ٢٠ والفرقان آية ٥٣ وفاطر آية ١٢.
وهذه النظرية تطابق جغرافيا منطقة الأحداث التاريخية للقاء النبي موسى والخضر كما جاء بالقرآن والسنة وتؤكد ذلك عبقرية المكان (مجمع البحرين) وهي البقعة الساحرة التي رسمها الله سبحانه وتعالى لتتناغم فيها الطبيعة الساحرة في مشهد يشكل أروع بقاع العالم الطبيعية والغنية بالتنوع البيولوجي للكائنات الحية في العالم، حيث شكل التنوع الجيولوجي بفعل الفرق بين عمق خليج العقبة وخليج السويس وتلاقي مياه الخليجين في الموقع بيئة غنية بالتنوع البيولوجي للمئات من الأسماك الاستوائية والشعاب المرجانية التي شكلت النظم الايكولوجية الفريدة في العالم.![](https://3.bp.blogspot.com/-jE6XKAhPZzY/URYXvrWGOTI/AAAAAAAADQg/J_9MHQBCOzQ/s640/n00081173-b.jpg)
![](https://3.bp.blogspot.com/-jE6XKAhPZzY/URYXvrWGOTI/AAAAAAAADQg/J_9MHQBCOzQ/s640/n00081173-b.jpg)
صخرة الحوت
جاء ذكر الصخرة في السرد القرآني في قول «يوشع» فتى نبي الله موسى (عليه السلام)(قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) ولفظ «أوينا» تعنى الإيواء والمبيت عند الصخرة. وكما جاء في صحيح اللغة فالمأوى: مكان يأوي إليه كل شيء ليلا أو نهارا للاحتماء من الأخطار وفيه سكن ومأوى وفى قوله تعالى (إذ أوى الفتية إلى الكهف) الإيواء هو الإقامة المؤقتة بينما المأوى الاستقرار الدائم قال تعالى (فإن الجنة هي المأوى) ولفظ: الصخرة تعني الحجر العظيم الصلب والذي يصلح للاحتماء والإيواء.
وهذا ينطبق على الصخرة المشار إليها بالخريطة بموقعها الجغرافي وحجمها الذي يصلح للإيواء وموقعها على البحيرة المائية والتي تصلح منطقيا وجغرافيا لتسرب الحوت كما هو موضح بالصورة: الدائرة الحمراء والدائرة الزرقاء السبيل لتسرب الحوت.
كما يوجد توصيف آخر لهذه الصخرة حيث تتوسط طريق الدخول لرأس محمد وهي الصخرة الوحيدة المناسبة للإيواء والمبيت في طريق السير المستقيم للداخل في عمق يابسة رأس محمد وتمثل نقطة مشاهدة لمجمع البحرين كما تمثل نقطة اليقين للنبي موسى(عليه السلام) لبلوغه آخر نقطة في اليابسة لمجمع البحرين.
وتوضح الصورة وقوع الصخرة في خط مستقيم في طريق الوصول لآخر نقطة في اليابسة في موقع مجمع البحرين وأن المسافة المرجحة التي قطعها الحوت من الصخرة حتى المياه العميقة تبلغ حوالي ٢ كم والمسافة التي قطعها نبي الله موسى(عليه السلام) من نفس الصخرة حتى نقطة الارتداد واكتشاف فقد الحوت توازي نفس المسافة ٢ كم وهذه الصخرة تتوسط الأحداث وهي نقطة الجمع بين أطراف القصة داخل رأس محمد.
الممر المائي للحوت
جاء ذكر الطريق والطريقة التي اتخذها الحوت مرتين في سرد القرآن الكريم مرة في قوله تعالى (فاتخذ سبيله في البحر سربا) ومرة (واتخذ سبيله في البحر عجبا) وفى الآيتين كان التأكيد على اتخاذ الحوت سبيلا للخروج من المياه الضحلة إلى المياه العميقة باتخاذ السبيل، و«السبيل» في صحيح اللغة هو الطريق وما وضح منه وهو الوسيلة للعبور من مكان إلى مكان كما في قوله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).
والطريقة كانت تسرب الحوت (سربا) (وعجبا) في وصف معجزة شق الطريق إلى البحر وعودة الحياة للحوت والمعروف بمنطقة الخليج الخفي بجنوب رأس محمد فربما تمكن الحوت بأمر ربه من شق طريق على الرمال وشق قناة مائية حتى بلوغ المياه العميقة، وربما هذا ما يفسر وجود مجرى مائي دائم في منطقة الخليج الخفي برأس محمد. وبرسم خط مستقيم من الصخرة حتى المياه العميقة يتضح أن هذا الممر المائي يخترق الخط المستقيم ويشكل قناة مائية متعرجة وهذه المنطقة أكثر عرضة للمد والجزر وتنحسر بها المياه. وهنا تكمن المعجزة لتكون شاهدا طبيعيا على هذه الأحداث وعلى معجزة الحوت.
(فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا، قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا).
يبدو واضحا التتابع الزمني للأحداث في السرد القرآني البالغ الدقة، فبعد وصول نبي الله موسى(عليه السلام) الى موقع الصخرة والمرجح أن يكون ليلا وحدوث حادثة الحوت وهو نائم ونسيان يوشع فتى نبي الله موسى(عليه السلام)أن يخبره بما حدث حتى استيقظا صباحا مع شروق الشمس وكان نبي الله موسى متشوقا لملاقاة الخضر.
وبخصوص الموقع الجغرافي للصخرة يشير الباحث إلى أن المنطقة الجنوبية الغربية كانت مكشوفة للنبي موسى(ع)وذلك لسهولها المنبسطة حتى شاطئ البحر، ما حدا به للاتجاه إلى الناحية الأخرى وهى الحافة الشمالية الشرقية لموقع الصخرة والتي تعتبر مجهولة له، لاختلاف التضاريس بها من هضاب رملية ومناطق صخرية وعرة تشكل تبة وتحجب رؤية صخرة الحوت وهذا يفسر تقصى آثار أقدامهم للرجوع الى الصخرة.
مرسى سفينة الخضر
يعتبر هذا الرصيف أو مرسى سفينة الخضرالشاهد الأثري الوحيد مما تركه الإنسان في هذا الموقع ومن هذا الرصيف وموقعه في رأس محمد تمكن الباحث من تحديد خط سير السفينة إلى رأس محمد وتحديد وجهتها ويقع هذا الرصيف على بعد ٣٠٠م من صخرة اللقاء ويجتاز هذا الرصيف الجدار المرجاني على الشاطئ لمسافة ٥٠م حتى الغاطس وعرضه حوالي من ٦- ٨ أمتار ويتكون من صخور جرانيت وحجر رملي منقول من مواقع أخرى من خارج رأس محمد، حيث إن الطبيعة الصخرية للمنطقة تتكون من أحجار وصخور جيرية ما يدل على نقل هذه الصخور من أماكن أخرى متفرقة.
ويتوسط الرصيف البحري القديم شاطئ الميناء على الساحل الغربي لرأس محمد والمطل على خليج السويس على شكل نصف دائرة مساحتها حوالي كيلومتر واحد، وربما كانت رأس محمد محطة راحة للسفن العابرة من خليج السويس إلى خليج العقبة أو البحر الأحمر.
خط سير السفينة
يوضح موقع الرصيف البحري لمرسى السفن على الشاطئ المطل على خليج السويس خط سير سفينة الخضر لأنه من المنطقي أن تكون قادمة من خليج السويس وفى طريقها الى خليج العقبة ويتضح ذلك من الآية الكريمة (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) ما يعنى أن السفينة أبحرت في الاتجاه إلى خليج العقبة وليس خليج السويس وذلك لوقوع الأخير تحت سيادة مصر القديمة (الدولة الحديثة) وهي دولة غنية وذات نفوذ كبير بالمنطقة آنذاك، والتاريخ المصري لم يسجل أعمال قرصنة في البحار بينما يختلف الوضع في خليج العقبة والبحر الأحمر عامة وهي منطقة عرضة لأعمال القرصنة البحرية لوجود دويلات صغيرة وحضارات قديمة مثل حضارات سبأ وحمير في اليمن والثموديين واللحيانيين في شمال الجزيرة.
ويؤكد تاريخ الشرق الأدنى القديم أن البلاد الآسيوية كانت مقطعة الأوصال وتقوم فيها مدن ودويلات متعددة خاصة أن التاريخ سجل في غضون العام ١٢٠٠ قبل الميلاد حدوث إضطرابات في منطقة الشرق الأدنى القديم بسبب هجرات الشعوب الهندو ـ أوربية.
كما أن البحر الأحمر عرف منذ أقدم العصور كأحد طرق التجارة القديمة وقد سجلت الآثار المصرية سفنا ترتفع مقدمتها ومؤخرتها ولم تكن معروفة في وادي النيل وقد وفدت إلى مصر شعوب في هذه السفن ووصلوا من الجنوب ومن الشرق واتخذوا طريق (القصير ـ قفط) في رحلاتهم وسجلوا رسومات لسفنهم على صخور بعض دروب الصحراء الشرقية.
وكان ملاحو اليمن القدماء هم الذين يحملون التجارة في سفنهم فيعبرون البحر الأحمر إلى الشاطئ الأفريقي ولديهم خبرة كبيرة في الطرق البحرية مما يؤكد وجود ملاحة بحرية قديمة في البحر الأحمر وربما تعرضت هذه المناطق لأعمال قرصنة بحرية قديمة.
الأقمار الصناعية تكشف عن وجود «مَجْمَعَ البحرين» المذكور بالقرآن
نشر: 9/2/2013 9:29 ص
أكد الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بسيناء ووجه بحرى أن مَجْمَعَ البحرين المذكور بالقران الكريم فى سورة الكهف من الآية 60 إلى 82 فى قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )
يقع بمنطقة رأس محمد بشرم الشيخ عند نقطة التقاء خليج العقبة وخليج السويس بجنوب سيناء مستندا للدراسة العلمية للأثرى عماد مهدى عضو جمعية الأثريين المصريين والمسح التصويرى الفضائى باستخدام تقنية تصوير الأقمار الصناعية التى حددت موقع لقاء نبى الله موسى والخضر عليهما السلام على أرض سيناء منذ حوالى 3200 سنة تقريبا وأن التوصيف اللغوى لكلمة مجمع البحرين لا ينطبق جغرافيا على أى مكان فى العالم إلا فى رأس محمد وهى مجمع خليجى العقبة والسويس فى بحر واحد هو البحر الأحمر ولفظ مجمع يختلف عن لفظ التقاء.
يقع بمنطقة رأس محمد بشرم الشيخ عند نقطة التقاء خليج العقبة وخليج السويس بجنوب سيناء مستندا للدراسة العلمية للأثرى عماد مهدى عضو جمعية الأثريين المصريين والمسح التصويرى الفضائى باستخدام تقنية تصوير الأقمار الصناعية التى حددت موقع لقاء نبى الله موسى والخضر عليهما السلام على أرض سيناء منذ حوالى 3200 سنة تقريبا وأن التوصيف اللغوى لكلمة مجمع البحرين لا ينطبق جغرافيا على أى مكان فى العالم إلا فى رأس محمد وهى مجمع خليجى العقبة والسويس فى بحر واحد هو البحر الأحمر ولفظ مجمع يختلف عن لفظ التقاء.
وأضاف الدكتور ريحان في تصريح لوكالة انباء الشرق الاوسط اليوم الجمعة أن ، الأقمار الصناعية كشفت عن موقع صخرة الحوت نقطة اللقاء بين نبى الله موسى والرجل الصالح الخضر وهى الصخرة الوحيدة التى تتوسط طريق الدخول لرأس محمد وتقع فى خط مستقيم فى طريق الوصول لأخر نقطة فى اليابسة فى موقع مجمع البحرين وفقا لما توضحه الخرائط المصورة فإن المسافة المرجحة التى قطعها الحوت من الصخرة حتى المياه العميقة تبلغ حوالى 2 كم والمسافة التى قطعها نبى الله موسى من نفس الصخرة حتى نقطة الارتداد واكتشاف فقدان الحوت توازى نفس المسافة 2كم.
وأشار الدكتور ريحان لكشف الممر المائى للحوت الذى حدد القرآن الكريم الطريق والطريقة التى أتخذها الحوت مرتين مرة فى قوله تعالى «فاتخذ سبيله في البحر سربا ومرة»، «واتخذ سبيله في البحر عجبا»، وفي الايتين جاء الذكر والتأكيد على اتخاذ الحوت سبيلا للخروج من المياه الضحلة إلى المياه العميقة باتخاذ السبيل وتعنى الطريق وقد وصف القرآن معجزة شق الطريق إلى البحر وعودة الحياة للحوت والمعروف بمنطقة الخليج الخفى بجنوب رأس محمد وهذا يفسر وجود مجرى مائى دائم فى منطقة الخليج الخفى برأس محمد.
شبهة حول قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ...)
الآية الكريمة موضع الشبهة
قوله تعالي : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )(1)
الشبهة
يقولون : قال البيضاوي تفسيراً لهذه الآية وما قبلها وما بعدها : إن موسى النبى سافر مع غلامه يشوع بن نون حتى بلغ صخرة ومعهما حوت مشوي.
وعند الصخرة توضأ يشوع فوقعت على الحوت المشوي نقطة ماء من الوضوء فبعث الحوت حياً وجرى فى الماء ولما افتقد موسى الحوت ليأكله لم يجده،فرجع إلى مكان الصخرة فوجد الخضر وهو إيليا النبي! وساروا معاً إلى مركب حيث خرقها الخضر.
وساروا إلى غلام فقتله الخضر.
وساروا إلى حائط متداعية فبناها الخضر.
ولما سأل موسى الخضر عن الدوافع التى دعته ليفعل ما فعل، قال إن المركب لمساكين فأتلفها حتى لا يأخذها الملك الغاصب. والغلام لأبوين مؤمنين، فخشينا أن يرهق والديه بالكفر إذا عاش وكبر. والجدار لغلامين يتيمين، بناه حتى متى كبرا يجدان تحت الجدار كنزاً من الذهب مكتوب عليه بعض الحكم، ومنها "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
وكان ذلك فى أيام إسكندر ذي القرنين! "انظر البخاري ومسلم وسنن النسائي والترمذي"
يقولون : ونحن نسأل : أين موسى الذى عاش فى مصر سنة 1500 ق . م من إيليا الذى عاش فى فلسطين سنة 900 ق . م، من إسكندر الأكبر الذى عاش فى اليونان سنة 332 ق .م ! أين هؤلاء من الشهادة لمحمد الذى ظهر فى بلاد العرب فى القرن السابع بعد الميلاد !؟ فبين موسى وإيليا 600 سنة! وبين موسى وإسكندر 1200 سنة! وبين موسى وظهور محمد 2200 سنة ! فكيف يتسنى لهؤلاء الذين نشأوا فى ممالك مختلفة وفى قرون متباعدة أن يجتمعوا فى زمن واحد وفى صعيد واحد؟!(2)
فملخص كلامهم :
أولاً : أن القرآن الكريم يخالف الواقع ويخالف التاريخ فى أمور هي:
1. إثبات أن موسي الذى عاش سنة 1500 ق . م لقي إيليا الذى عاش فى فلسطين
سنة 900 ق . م
2. أن هذا اللقاء كان فى أيام إسكندر ذي القرنين الذى عاش فى اليونان سنة332 ق.م0
3. وأن هؤلاء كيف يشهدون لمحمد الذى ظهر فى بلاد العرب فى القرن السابع بعد الميلاد كيف يتسنى لهؤلاء الذين نشأوا فى ممالك مختلفة وفى قرون متباعدة أن يجتمعوا فى زمن واحد وفى صعيد واحد0
الرد على الشبهة :
الرد الإجمالي:
هذه الآيات تذكر قصة من قصص نبى الله موسى عليه السلام ألا وهى قصته مع الخضر, وبحثه عنه وطلبه منه التعليم, واشتراط الخضر عليه الصبر وعدم المخالفة وعدم السؤال عن شئ حتى يخبر به, ومخالفة موسى عليه السلام لهذا الأمر مرات ثلاثة وعاقبة ترك الخضر له بعد أن ذكر له خبر ما فعل حتى يزول عجبه.
الرد التفصيلي :
أولاً: انظر أيها القارئ الكريم إلى هذا المدعي وصنيعه يدعى أنه ينقل عن الإمام البيضاوي ويفعل كما يفعل فى كل مرة يأخذ قولاً ويترك باقى الأقوال, ويحذف من الكلام المراد ويأخذ جزءًا منه ويقول أنه قول البيضاوي ويكتب جملاً من عنده ويقول إنه قول الإمام البيضاوي0 أى منهج علمي هذا الذى يعتمد عليه هذا المدعي الذى يدعى أنه عاقل يريد أن يقدم خدمه جليلة الأثر للجنس البشري لأنه يشعر أنه مدين لهم بأن يسدى لهم الضلال ويصرف عنهم الهدى0 أن هذا يصدق عليه قوله تعالى( وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ* الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيد)(3)
انظر رعاك الله أيها القارئ إلى ما يقول الإمام البيضاوي رحمه الله فى هذه المواطن التى يوردها المدعي وقارن بين قول البيضاوي والمنقول عنه على لسان المدعي يقول البيضاوي "فوجدا عبداً من عبادنا" الجمهور على أنه الخضر عليه السلام واسمه بليا بن ملكان وقيل اليسع وقيل إلياس"(4)
هذه الاحتمالات الثلاثة التى ذكرها الإمام البيضاوي رحمه الله دون أن يرجح بينها ضرب المدعي عنها صفحاً وأتى بقول رابع لا أدري من أين أتى به وهو قوله إيليا النبي وكون هذا القول صحيحاً أم خطأ الله أعلم بذلك0 ونحن لا نتكلف أن نصحح أخطاءه ولكن الإمام البيضاوي رحمه الله لم يقل هذا القول وهذه وحدها كافية لإسقاط كتابه كله برمته وزيفه0
خذ الأشد قوله فيما ينقل عن الإمام البيضاوي وكان ذلك فى أيام إسكندر ذي القرنين ولم يذكر البيضاوي شيئا عن ذلك ولا قال فى أى زمان كان ذلك0
خذ الثالثة بعد ذكر كل هذا الكلام يقول "انظر البخارى ومسلم وسنن النسائي والترمذي أين هذا فى هذه الكتب؟ لا يعلم ولم يذكر .
وهو بهذه العبارة يريد أن يخدع أمثاله بأن هذا الأمر محقق مدقق قد بذل فيه صاحبه جهداً وحرره وقرره ونقحه حتى صار هذا الأمر يقيناً لا يقبل إلا الإذعان والقبول ولا يقبل مراجعة ولا رداً وانظر كيف بتر النقل أيضاً ليقول كنز الغلامين من الذهب مكتوب عليه بعض الحكم ومنها "لا إله إلا الله محمد رسول الله" حتى يظهر للقارئ الغرابة فى ذلك0
يقول الإمام البيضاوي رحمه الله "وكان تحته كنز لهما من ذهب وفضة روى ذلك مرفوعاً(5) ثم قال . وقيل من كتب العلم وقيل كان لوحاً من ذهب مكتوب فيه عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله"(6)
ومعلوم أن شرائع الديانات السماوية متقاربة فإن لم يكن هذا القول ضعيفاً فمحمول على وجود قدر من التشابه بين الشرائع السماوية. أما البشارة برسول الله التى ينكرها فأمر محقق اتفقت فيه اليهودية والنصرانية0(7)
بل وسائر الأنبياء بشروا برسول الله صلى الله عليه وسلم من منطلق أن دينهم واحد وإن اختلفت الشرائع شيئا ما0
يقول رسول الله "الأنبياء إخوان لعلات دينهم واحد وشرائعهم مختلفة"(8)
وثمت مبالغات لا تثبت فى نقله كقوله بالحوت المشوي ونحن لا ننكر أن يقع مثل هذا معجزة لنبي الله موسى عليه وعلى نبينا السلام ولكن لا نثبت هذا إلا بنص من قرآن كريم أو سنة شريفة والقرآن يقول "نسيا حوتهما" ويقول "فإني نسيت الحوت"ونحن نتوقف عند القرآن فالقرآن لم يذكر حوتاً مشوياً ولا غير مشوي وإنما ذكر حوتاً وهذا القدر كاف فى الإعجاز ولا حاجة لكونه مشوي والله أعلم .
معني الآيات الكريمة موضع الشبهة
هذه الآيات الكريمة تمثل إعجازاً تاريخياً؛ حيث ذكرت هذه القصة الكريمة التى خلت منها كتب اليهود وإن كانوا هم السائلين عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أنهم كان عندهم علم بها ولكن لم تكن مسطوراً فى كتبهم0
يقول الشيخ الطاهر ابن عاشور والمحقق أن قصة الخضر وموسى يهودية الأصل ولكنها غير مسطورة فى كتب اليهود المعبر عنها بالتوراة أو العهد القديم .. وقد كان سبب ذكرها فى القرآن سؤال نفر من اليهود أو من لقنهم اليهود إلقاء السؤال فيها على الرسول وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) (9)يقول صاحب التفسير المنير "والخضر، هو لقب العبد الصالح الذى أمر موسى بالتعلم منه واسمه بليا بن ملكان والأصح أنه لم يكن نبياً....والراجح أن الخضر لم يكن نبياً وإنما هو عبد صالح كما قرر علماء الكلام قال ذلك بعد نقل الأدلة والرد عليها"(10) .
قال الإمام الرازي رحمه الله "إذا عرفت هذا فنقول المسائل الثلاثة مبنية على حرف واحد وهو أن عند تعارض الضررين يجب تحمل الأدنى لدفع الأعلى ؛ فهذا هو الأصل المعتبر فى المسائل الثلاثة.
أما المسألة الأولى : فلأن ذلك العالم علم انه لو لم يعب تلك السفينة بالتخريق لغصبها ذلك الملك، وفاتت منافعها عن ملاكها بالكلية فوقع التعارض بين أن يخرقها ويعيبها فتبقى مع ذلك على ملاكها ، وبين أن لا يخرقها فيغصبها الملك فتفوت منافعها بالكلية على ملاكها ، ولا شك أن الضرر الأول أقل فوجب تحمله لدفع الضرر الثاني الذى هو أعظمهما0
وأما المسالة الثانية : فكذلك لأن بقاء ذلك الغلام حياً كان مفسدة للوالدين فى دينهم وفى دنياهم ، ولعله علم بالوحي أن المضار الناشئة من قتل ذلك الغلام أقل من المضار الناشئة بسبب حصول تلك المفاسد للأبوين ، فلهذا السبب أقدم على قتله0
والمسألة الثالثة : أيضاً كذلك لأن المشقة الحاصلة بسبب الإقدام على إقامة ذلك الجدار ضررها أقل من سقوطه لأنه لو سقط لضاع مال تلك الأيتام. وفيه ضرر شديد .
فالحاصل أن ذلك العالم كان مخصوصاً بالوقوف على بواطن الأشياء وبالإطلاع على حقائقها كما هي عليها فى أنفسها، وكان مخصوصاً ببناء الأحكام الحقيقية على تلك الأحوال الباطنة ، وأما موسى عليه السلام فما كان كذلك بل كانت أحكامه مبنية على ظواهر الأمور فلا جرم ظهر التفاوت بينهما فى العلم0
فإن قال قائل فحاصل الكلام أنه تعالى أطلعه على بواطن الأشياء وحقائقها فى نفسها ، وهذا النوع من العلم لا يمكن تعلمه ، وموسى عليه السلام إنما ذهب إليه ليتعلم منه العلم فكان من الواجب على ذلك العالم أن يظهر له علماً يمكن له تعلمه ، وهذه المسائل الثلاثة علوم لا يمكن تعلمها فما الفائدة فى ذكرها وإظهارها. والجواب أن العلم بظواهر الأشياء يمكن تحصيله بناء على معرفة الشرائع الظاهرة ، وأما العلم ببواطن الأشياء فإنما يمكن تحصيله بناء على تصفية الباطن وتجريد النفس وتطهير القلب عن العلائق الجسدانية ، ولهذا قال تعالى فى صفة علم ذلك العلم "وعلمناه من لدنا علما" ، ثم إن موسى عليه السلام لما كملت مرتبته فى علم الشريعة بعثه الله إلى هذا العلم ليعلم موسى عليه السلام أن كمال الدرجة فى أن ينتقل الإنسان فى علوم الشريعة المبنية على الظواهر إلى علوم الباطن المبنية على الإشراف على البواطن والتطلع على حقائق الأمور0 (11)
يقول الإمام القاسمى فى الربط بين هذه الآيات والآيات السابقة قال المهايمي(12) أى أذكر للذين إن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً ، لتكبرهم عليك ، إنكم لستم بأعلم من موسى ولا أرشد منه . ولست أقل من الخضر فى الهداية بل أعظم . لأنها هداية فى الظاهر والباطن . وهداية الخضر إنما هي فى الباطن ، ولا تحتاجون فى تحصيله إلى تحمل المشاق ، واحتاج إليه موسى0(13)
الهوامش والمراجع
(1) سورة الكهف الآيات من 60 إلى 82 0
(2) س28 ص 35, 36هل القرآن معصوم ؟
(3) سورة إبراهيم الآيات2 ، 3 0
(4) أنوار التنزيل وأسرار التأويل 2 / 10
(5) الحديث عن أبي الدرداء : عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله{ وكان تحته كنز لهما } قال ذهب وفضة الترمذي 5 / 313 , باب ومن أول سورة الكهف, قال أبو عيسى هذا حديث غريب, قال الشيخ الألباني : ضعيف جدا, وأخرج ابن حبان في صحيحه (عن ابن عباس رضي الله عنهما : ـ { و كان تحته كنز لهما } قال : ما كان ذهبا و لا فضة كان صحفا علما, هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه, تعليق الذهبي في التلخيص : صحيح" و صحت الرواية بضده عن أبي الدرداء :تعليق الذهبي قي التلخيص : بل يزيد بن يوسف متروك" قال الطبراني في الأوسط بعد إيراده " لم يرو هذا الحديث عن مكحول إلا يزيد بن يزيد بن جابر ولا رواه عن يزيد إلا يزيد بن يوسف تفرد به الوليد بن مسلم"
(6) أنوار التنزيل وأسرار التأويل 2 / 11
(7) البشارة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة:
وقد كتب الشيخ رحمه الله الهندي بحثاً في كتابه الإمام إظهار الحق عن إخبار الأنبياء المتقدمين عليه صلى الله عليه وسلم عن نبوته قدم له ثمان نقاط أهمها أولها
وهى أنبياء نبى اسرائيل قد أخبروا عن الحوادث الآتية كحادثة بختنصر وقورش وإسكندر وخلفائه وحوادث أرض أدوم ومصر ونيتوى وبابل ويبعد كل البعد أن لا يخبر أحد منهم عن خروج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذى كان وقت ظهوره عاماً كأصغر البقول ثم صار شجرة عظيمة ومضى على ظهوره مدة ألف وأربعمائة وسبعةً وعشرون إلى هنا الحين ويمتد إن شاء الله إلى آخر بقاء الدنيا ثم بعد ثم بعد استعراض باقى المقدمات الثمانية أشار إلى بعض البشارات التى أشتمل عليها كتاب النصارى وأوجزها فيما يلي :
البشارة الأولى : هي قوله " وسوف أقيم لهم نبياً مثلك من بين إخوتهم واجعل كلا من فى فمه ويكلمهم بكل شئ أمره به ومن لم يطع كلامه الذى يتكلم به بأسمى فأنا أكون المنتقم من ذلك فأما النبى الذى يجترئ بالكبرياء ويتكلم فى اسمي مسالم أمره بأنه يقوله أم بإسم آلهة غيري فليقتل فإن أحببت وقلت في قلبك كيف أستطيع أميز الكلام الذي لم يتكلم به الرب " 22 " فهذه تكون لك أية أن ما قاله ذلك النبى في اسم الرب ولم يحدث فالرب لم يكن تكلم به ، بل ذلك النبي صورة في تعظيم نفسه ولذلك لا تخشاه " . وهذه البشارة ليست بشارة يوشع عليه السلام كما يزعم الآن أخبار اليهود ، ولا بشارة عيسى عليه السلام كما زعم علماء بروتستنت ، بل هي بشارة محمد صلى الله عليه وسلم لعشرة أوجه ..... "
البشارة الثانية " الآية الحادية والعشرون من الباب الثاني والثلاثين من سفر التثنية هكذا : " هم أغارونى بغير اله وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة وأنا أيضاً أغيرهم بغير شعب وبشعب جاهل أغضبهم " والمراد بشعب جاهل العرب لأنهم كانوا في غاية الجهل والضلال ، وما كان عندهم علم لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية وما كانوا يعرفون سوى عبادة الأوثان والأصنام ..... "
البشارة الثالثة " في الباب الثالث والثلاثين من سفر الاستثناء في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا : " وقال جاء الرب من سيناء وأشرق لنا من ساعير استعلن من جبل فاران ومعه ألوف الأطهار في يمينه سنة من نار " .... ولا شك أن إسماعيل عليه السلام كانت سكنته بمكة " .... "
البشارة الرابعة " في الآية العشرين من الباب السابع عشر من سفر التكوين ، وعد الله في حق اسمعيل عليه السلام لإبراهيم عليه السلام في الترجمة " وعلى اسمعيل استجيب لك هوذا أباركه وأكبره وأكثره جدا فسيلد اثنى عشر رئيسا وأجعله لشعب كبير " . وقوله أجعله لشعب كبير يشير إلى محمد صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن في ولد اسمعيل من كان لشعب كبير غيره وقد قال الله تعالى ناقلا دعاء إبراهيم واسمعيل في حقه عليهم السلام في كلامه المجيد أيضا ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم " .....
" البشارة الخامسة " الآية العاشرة من الباب التاسع والأربعين من سفر التكوين هكذا ترجمة عربية سنة 1722 " فلا يزول القضيب من يهوذا والمدبر من فخذه حتى يجئ الذى له الكل وإياه تنتظر الأمم " ... وفي هذه الآية دلالة على أن يجيئ سيدنا " محمد " صلى الله عليه وسلم ....."
البشارة السادسة " الزبور الخامس والأربعون هكذا ... " انسكبت النعمة على شفتيك لذلك باركك الله إلى الدهر " 4 " تقلد سيفك على فخدك أيها القوى بحسنك وجمالك " 5 إلى أن قال " سأذكر أسمك في كل جيل وجيل من أجل ذلك تعترف لك الشعوب إلى الدهر وإلى دهر الداهرين " وهذا الأمر مسلم عند أهل الكتاب أن داود عليه السلام يبشر في هذا الزبور بنبي يكون ظهوره بعد زمانه ، ولم يظهر إلى هذا الحين عند اليهود نبي يكون موصوفا بالصفات المذكورة في هذا الزبور ...وهذه الأوصاف كلها توجد في محمد صلى الله عليه وسلم على أكمل وجه
" البشارة السابعة " في الزبور المائة و التاسع والأربعين هكذا : 1 " سبحوا الرب تسبيحا جديدا ، سبحوه في مجمع الأبرار " 2 " فليفرح إسرائيل بخالقه وبنو صهيون يبتهجون بملكهم " 3 " فليسبحوا أسمة بالمصاف بالطبل والمزمار يرتلوا له " 4 " لأن الرب يسر بشعبه ويشرف المتواضعين بالخلاص " 5 " تفتخر الأبرار بالمجد ، ويبتهجون على مضاجعهم " ..... ففي هذا الزبور عبر عن المبشر به بالملك وعن مطيعه بالأبرار ... فأقول المبشر به محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ويصدق جميع الأوصاف المذكورة في هذا الزبور عليه وعلى أصحابه إلى أخر ما ذكر رحمة الله من بشارات بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تفوق الحصر0
وجاء في إنجيل يوحنا 16 12 ، 13
" إن لى أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأمامتى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم على جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية " وفي التثنية يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلا من في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به " 18 ، 18 0
(8) أخرجه البخاري ،كتاب الأنبياء،باب { واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها }
(9) 3/1270حديث 3259عن أبي هريرة , و مسلم ، كتاب الفضائل،باب فضائل عيسى عليه السلام،4/1837،حديث 2365 0
(10) سورة الإسراء الآية رقم 85 التحرير والتنوير 15 / 364 0
(11) التفسير المنير 15 / 293 وما بعدها0
(12) مفاتيح الغيب 21 / 159 وما بعدها0
(13) على ابن أخمد بن على الهمائمى الهندي أبو الحسن علاء الدين المعروف بالمخدوم مفسر, وهو من النوائب قوم من قريش خرجوا من المدينة خوفاً من الحجاج بن يوسف فبلغوا ساحل بحر الهند وسكنوا به من كتبه تبصير الرحمن وتيسير المنان ببعض ما يشير إلى إعجاز القرآن طبع ولد سنة 767 وتوفى 835 ينظر الأعلام 4 / 257 0
(14) محاسن التأويل 11 / 060
============
المصدر : الرد على الشبهات الواردة في كتاب هل القرآن معصوم . رسالة ماجستير - بكلية أصول الدين - جامعة الأزهر بالقاهرة . إعداد الباحث / محمد عبدالسميع بدير السيد .
وهناك قول آخر عن موقع مجمع البحرين إذ يقولون :
يقول الله تعالى :
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) الكهف- 60 : 63.
(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) سورة الكهف 77.
من كتب التفسير:
البغوي ـ باب 58 ـ جزء 5 : قال سعيد بن جبير: فكان ابن عباس يقرأ: "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة (8) غصبا"، وكان يقرأ: "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين" (9) .
وعن سعيد بن جبير في رواية أخرى عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "[قام موسى] (10) رسول الله فذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا -فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله-قيل: بلى [عبدنا الخضر] (11) قال: يا رب وأين؟ قال: بمجمع البحرين [قال: رب اجعل لي علما أعلم بك منه] (12) قال: فخذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح وفي رواية قيل له: تزود حوتا مالحا فإنه حيث تفقد الحوت فأخذ حوتا فجعله في مكتل" (13) .
رجعنا إلى التفسير؛ قوله عز وجل: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ } يوشع بن نون { لا أَبْرَحُ } أي لا أزال أسير (14) { حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } قال قتادة: بحر فارس وبحر (15) الروم مما يلي المشرق. وقال محمد بن كعب طنجة. وقال أبي بن كعب: أفريقية (16) .
الالوسي ـ باب 60 ـ جزء 11 : وذكر أبو حيان أن مجمع البحرين على ما يقتضيه كلام ابن عطية مما يلي بر الشام ، وقالت فرقة منهم محمد بن كعب القرظي : هو عند طنجة حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه من دبور إلى صبا ، وعن أبي أنه بافريقية ، وقيل البحران الكر والرس بأرمينية وروى ذلك عن السدي ، وقيل بحر القلزم وبحر الأزرق ، وقيل هما بحر ملح وبحر عذب وملتقاهما في الجزيرة الخضراء في جهة المغرب ، وقيل هما مجاز عن موسى والخضر عليهما السلام لأنهما بحراً علم ، والمراد بملتقاهما مكان يتفق فيه اجتماعهما ، وهو تأويل صوفي والسياق ينبو عنه وكذا قوله تعالى : { حتى أَبْلُغَ } إذ الظاهر عليه أن يقال حتى يجتمع البحران مثلاً .
البحر المحيط ـ باب 60 ـ جزء 7 : و { مجمع البحرين } قال مجاهد وقتادة : هو مجتمع بحر فارس وبحر الروم . قال ابن عطية : وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان ، فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام هو مجتمع البحرين على هذا القول . وقالت فرقة منهم محمد بن كعب القرظي : هو عند طنجة حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه من دبور إلى صبا . وعن أبيّ بإفريقية . وقيل : هو بحر الأندلس والقرية التي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء . وقيل : { مجمع البحرين } بحر ملح وبحر عذب فيكون الخضر على هذا عند موقع نهر عظيم في البحر . وقالت فرقة : البحران كناية عن موسى والخضر لأنهما بحرا علم . وهذا شبيه بتفسير الباطنية وغلاة الصوفية ، والأحاديث تدل على أنهما بحرا ماء .
وقال الزمخشري : من بدع التفاسير أن البحرين موسى والخضر لأنهما كانا بحرين في العلم انتهى . وقيل : بحر القلزم . وقيل : بحر الأزرق . وقرأ الضحاك وعبد الله بن مسلم بن يسار { مجمع } بكسر الميم الثانية والنضر عن ابن مسلم في كلا الحرفين وهو شاذ ، وقياسه من يفعل فتح الميم كقراءة الجمهور . والظاهر أن { مجمع البحرين } هو اسم مكان جمع البحرين . وقيل : مصدر .
البحر المديد ـ باب 60 ـ جزء 3 : يقول الحقّ جلّ جلاله : { و } اذكر { إذ قال موسى لفتاه } يوشع بن نون بن إفراثيم بن يوسف عليه السلام ، وكان ابن أخته ، سُمي فتاه؛ إذ كان يخدمه ويتبعه ويتعلم منه العلم . والفتى في لغة العرب : الشاب ، ولمَّا كانت الخدمة أكثر ما تكون من الفتيان ، قيل للخادم : فتى ، ويقال للتلميذ : فتى ، وإن كان شيخًا ، إذا كان في خدمة شيخه ، فقال موسى عليه السلام : { لا أبرحُ } : لا أزال أسير في طلب هذا الرجل ، يعني : الخضر عليه السلام ، { حتى أبلغَ مَجْمَعَ البحرين } ، وهو ملتقى بحر فارس والروم مما يلي المشرق ، وهذا مذهب الأكثر . وقال ابن جزي : مجمع البحرين : عند « طنجة »؛ حيث يتجمع البحر المحيط والبحر الخارج منه ، وهو بحر الأندلس . قلت : وهو قول كعب بن محمد القرضي . { أو أَمْضِيَ حُقُبًا } أي : زمنًا طويلاً أتيقن معه فوات الطلب . والحقب : الدهر ، أو ثمانون سنة ، أو سبعون .
البحر المديد ـ باب 71 ـ جزء 3 : { فانطلقا حتى إِذا أتيا أهل قريةٍ } ، هي أنطاكية ، وقيل : أَيْلة ، وقيل الأبُلة ، وهي أبعد أرض الله من السماء ، وقيل : برقة ، وقال أبو هريرة وغيره : هي بالأندلس . ويُذكر أنها الجزيرة الخضراء . قلت : وهي التي تسمى اليوم طريفة ، وأصلها بالظاء المشالة . وذلك على قول إن مجمع البحرين عند طنجة وسبتة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : « كانوا أهل قرية لِئامًا » وقال قتادة : شر القرى التي لا يُضاف فيها الضيف ، ولا يعرف لابن السبيل حقه .
ثم وصف القرية بقوله : { استطعما أهلها } أي : طلبا منهم طعامًا ، ولم يقل : استطعماهم ، على أن يكون صفة لأهل؛ لزيادة تشنيعهم على سوء صنيعهم ، فإن الإباء من الضيافة ، مع كونهم أهلها قاطنين بها ، أشنع وأقبح .
البحر المديد ـ باب 14 ـ جزء 6 : { يَخْرُجُ منهما اللؤلؤُ والمَرجانُ } اللؤلؤ : الدرّ ، والمَرجان : الخرزُ الأحمر المشهور . قلت : هو شجر ينبت في الحجر في وسط البحر ، وهو موجود في بحر المغرب ، ما بين طنجة وسبتة . وقال الطرطوشي : هو عروق حُمر يطلع من البحر كأصابع الكف ، وشاهدناه بأرض المغرب مراراً . ه . وقيل : اللؤلؤ : كِبار الدر ، والمرجان : صِغاره . وإنما قال : « منهما » وهما إنما يخرجان من الملح؛ لأنهما لمّا التقيا وصارا كالشيء الواحد جاز أن يُقال : يخرجان منهما .
أيسر التفاسير للجزائري ـ باب 60 ـ جزء 2 : هذه قصة موسى مع الخضر عليهما السلام وهي تقرر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتؤكدها . إذ مثل هذا القصص الحق لا يتأنى لأحد أن يقصه مالم يتلقه وحياً من الله عزوجل . قال تعالى : { وإذ قال موسى } أي أذكر يا رسولنا تدليلاً على توحيدنا ولقائنا ونبوتك . إذ قال موسى بن عمران نبينا الى نبي إسرائيل لفتاه يوشع بن نون { لا أبرح } أي سائراً { حتى أبلغ مجمع البحرين } حيث أرشدني ربي الى لقاء عبد هناك من عباده هو أكثر مني علماً حتى اتعلم منه علماً ازيده على علمي ، { أو أمضي حقباً } أي أواصل سيري زمناً طويلاً حتى أظفر بهذا العبد الصالح لأتعلم عنه . قوله تعالى : { فلما بلغا مجمع بينهما } أي بين البحرين وهما بحر فارس عند باب المندب حيث التقى البحر الأحمر والبحر الهندي . أو البحر الأبيض والأطلنطي عند طنجة والله أعلم بأيها أراد . وقوله { نسياً حوتمها } أي نسي الفتى الحوت ، إذ هو الذي كان يحمله ، ولكن نسب النسيان إليهما جرياً على المتعارف من لغة العرب ، وهذا الحوت قد جلعه الله تعالى علامة لموسى على وجود الخضر حيث يفقد الحوت ، إذ القصة كما في البخاري تبتدئ بأن موسى خطب يوماً في بنى إسرائيل فأجاد وأفاد فاعجب به شاب من بني إسرائيل فقال له : هل يوجد من هو اعلم منك موسى ؟ فقال : لا . فأوحى إليه ربه فوراً بلى عبدنا خضر ، فتاقت نفسه للقياه للتعلم عنه ، فسأل ربه ذلك ، فأرشده الى مكان لقياه وهو مجمع البحرين ، وجعل له الحوت علامة فأمره ان ياخذ طعامه حوتاً وأعلمه أنه إذا فقد الحوت فثم يوجد عبدالله خضر ومن هنا لما بلغا مجمع البحرين واستراحا فنام موسى والفتى شبه نائم وإذا بالحوت يخرج من المكتل ( وعاء ) ويشق طريقه الى البحر فينجاب عنه البحر فيكون كالطاق أو النفق آية موسى .
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) الكهف- 60 : 63.
(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) سورة الكهف 77.
من كتب التفسير:
البغوي ـ باب 58 ـ جزء 5 : قال سعيد بن جبير: فكان ابن عباس يقرأ: "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة (8) غصبا"، وكان يقرأ: "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين" (9) .
وعن سعيد بن جبير في رواية أخرى عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "[قام موسى] (10) رسول الله فذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا -فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله-قيل: بلى [عبدنا الخضر] (11) قال: يا رب وأين؟ قال: بمجمع البحرين [قال: رب اجعل لي علما أعلم بك منه] (12) قال: فخذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح وفي رواية قيل له: تزود حوتا مالحا فإنه حيث تفقد الحوت فأخذ حوتا فجعله في مكتل" (13) .
رجعنا إلى التفسير؛ قوله عز وجل: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ } يوشع بن نون { لا أَبْرَحُ } أي لا أزال أسير (14) { حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } قال قتادة: بحر فارس وبحر (15) الروم مما يلي المشرق. وقال محمد بن كعب طنجة. وقال أبي بن كعب: أفريقية (16) .
الالوسي ـ باب 60 ـ جزء 11 : وذكر أبو حيان أن مجمع البحرين على ما يقتضيه كلام ابن عطية مما يلي بر الشام ، وقالت فرقة منهم محمد بن كعب القرظي : هو عند طنجة حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه من دبور إلى صبا ، وعن أبي أنه بافريقية ، وقيل البحران الكر والرس بأرمينية وروى ذلك عن السدي ، وقيل بحر القلزم وبحر الأزرق ، وقيل هما بحر ملح وبحر عذب وملتقاهما في الجزيرة الخضراء في جهة المغرب ، وقيل هما مجاز عن موسى والخضر عليهما السلام لأنهما بحراً علم ، والمراد بملتقاهما مكان يتفق فيه اجتماعهما ، وهو تأويل صوفي والسياق ينبو عنه وكذا قوله تعالى : { حتى أَبْلُغَ } إذ الظاهر عليه أن يقال حتى يجتمع البحران مثلاً .
البحر المحيط ـ باب 60 ـ جزء 7 : و { مجمع البحرين } قال مجاهد وقتادة : هو مجتمع بحر فارس وبحر الروم . قال ابن عطية : وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان ، فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام هو مجتمع البحرين على هذا القول . وقالت فرقة منهم محمد بن كعب القرظي : هو عند طنجة حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه من دبور إلى صبا . وعن أبيّ بإفريقية . وقيل : هو بحر الأندلس والقرية التي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء . وقيل : { مجمع البحرين } بحر ملح وبحر عذب فيكون الخضر على هذا عند موقع نهر عظيم في البحر . وقالت فرقة : البحران كناية عن موسى والخضر لأنهما بحرا علم . وهذا شبيه بتفسير الباطنية وغلاة الصوفية ، والأحاديث تدل على أنهما بحرا ماء .
وقال الزمخشري : من بدع التفاسير أن البحرين موسى والخضر لأنهما كانا بحرين في العلم انتهى . وقيل : بحر القلزم . وقيل : بحر الأزرق . وقرأ الضحاك وعبد الله بن مسلم بن يسار { مجمع } بكسر الميم الثانية والنضر عن ابن مسلم في كلا الحرفين وهو شاذ ، وقياسه من يفعل فتح الميم كقراءة الجمهور . والظاهر أن { مجمع البحرين } هو اسم مكان جمع البحرين . وقيل : مصدر .
البحر المديد ـ باب 60 ـ جزء 3 : يقول الحقّ جلّ جلاله : { و } اذكر { إذ قال موسى لفتاه } يوشع بن نون بن إفراثيم بن يوسف عليه السلام ، وكان ابن أخته ، سُمي فتاه؛ إذ كان يخدمه ويتبعه ويتعلم منه العلم . والفتى في لغة العرب : الشاب ، ولمَّا كانت الخدمة أكثر ما تكون من الفتيان ، قيل للخادم : فتى ، ويقال للتلميذ : فتى ، وإن كان شيخًا ، إذا كان في خدمة شيخه ، فقال موسى عليه السلام : { لا أبرحُ } : لا أزال أسير في طلب هذا الرجل ، يعني : الخضر عليه السلام ، { حتى أبلغَ مَجْمَعَ البحرين } ، وهو ملتقى بحر فارس والروم مما يلي المشرق ، وهذا مذهب الأكثر . وقال ابن جزي : مجمع البحرين : عند « طنجة »؛ حيث يتجمع البحر المحيط والبحر الخارج منه ، وهو بحر الأندلس . قلت : وهو قول كعب بن محمد القرضي . { أو أَمْضِيَ حُقُبًا } أي : زمنًا طويلاً أتيقن معه فوات الطلب . والحقب : الدهر ، أو ثمانون سنة ، أو سبعون .
البحر المديد ـ باب 71 ـ جزء 3 : { فانطلقا حتى إِذا أتيا أهل قريةٍ } ، هي أنطاكية ، وقيل : أَيْلة ، وقيل الأبُلة ، وهي أبعد أرض الله من السماء ، وقيل : برقة ، وقال أبو هريرة وغيره : هي بالأندلس . ويُذكر أنها الجزيرة الخضراء . قلت : وهي التي تسمى اليوم طريفة ، وأصلها بالظاء المشالة . وذلك على قول إن مجمع البحرين عند طنجة وسبتة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : « كانوا أهل قرية لِئامًا » وقال قتادة : شر القرى التي لا يُضاف فيها الضيف ، ولا يعرف لابن السبيل حقه .
ثم وصف القرية بقوله : { استطعما أهلها } أي : طلبا منهم طعامًا ، ولم يقل : استطعماهم ، على أن يكون صفة لأهل؛ لزيادة تشنيعهم على سوء صنيعهم ، فإن الإباء من الضيافة ، مع كونهم أهلها قاطنين بها ، أشنع وأقبح .
البحر المديد ـ باب 14 ـ جزء 6 : { يَخْرُجُ منهما اللؤلؤُ والمَرجانُ } اللؤلؤ : الدرّ ، والمَرجان : الخرزُ الأحمر المشهور . قلت : هو شجر ينبت في الحجر في وسط البحر ، وهو موجود في بحر المغرب ، ما بين طنجة وسبتة . وقال الطرطوشي : هو عروق حُمر يطلع من البحر كأصابع الكف ، وشاهدناه بأرض المغرب مراراً . ه . وقيل : اللؤلؤ : كِبار الدر ، والمرجان : صِغاره . وإنما قال : « منهما » وهما إنما يخرجان من الملح؛ لأنهما لمّا التقيا وصارا كالشيء الواحد جاز أن يُقال : يخرجان منهما .
أيسر التفاسير للجزائري ـ باب 60 ـ جزء 2 : هذه قصة موسى مع الخضر عليهما السلام وهي تقرر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتؤكدها . إذ مثل هذا القصص الحق لا يتأنى لأحد أن يقصه مالم يتلقه وحياً من الله عزوجل . قال تعالى : { وإذ قال موسى } أي أذكر يا رسولنا تدليلاً على توحيدنا ولقائنا ونبوتك . إذ قال موسى بن عمران نبينا الى نبي إسرائيل لفتاه يوشع بن نون { لا أبرح } أي سائراً { حتى أبلغ مجمع البحرين } حيث أرشدني ربي الى لقاء عبد هناك من عباده هو أكثر مني علماً حتى اتعلم منه علماً ازيده على علمي ، { أو أمضي حقباً } أي أواصل سيري زمناً طويلاً حتى أظفر بهذا العبد الصالح لأتعلم عنه . قوله تعالى : { فلما بلغا مجمع بينهما } أي بين البحرين وهما بحر فارس عند باب المندب حيث التقى البحر الأحمر والبحر الهندي . أو البحر الأبيض والأطلنطي عند طنجة والله أعلم بأيها أراد . وقوله { نسياً حوتمها } أي نسي الفتى الحوت ، إذ هو الذي كان يحمله ، ولكن نسب النسيان إليهما جرياً على المتعارف من لغة العرب ، وهذا الحوت قد جلعه الله تعالى علامة لموسى على وجود الخضر حيث يفقد الحوت ، إذ القصة كما في البخاري تبتدئ بأن موسى خطب يوماً في بنى إسرائيل فأجاد وأفاد فاعجب به شاب من بني إسرائيل فقال له : هل يوجد من هو اعلم منك موسى ؟ فقال : لا . فأوحى إليه ربه فوراً بلى عبدنا خضر ، فتاقت نفسه للقياه للتعلم عنه ، فسأل ربه ذلك ، فأرشده الى مكان لقياه وهو مجمع البحرين ، وجعل له الحوت علامة فأمره ان ياخذ طعامه حوتاً وأعلمه أنه إذا فقد الحوت فثم يوجد عبدالله خضر ومن هنا لما بلغا مجمع البحرين واستراحا فنام موسى والفتى شبه نائم وإذا بالحوت يخرج من المكتل ( وعاء ) ويشق طريقه الى البحر فينجاب عنه البحر فيكون كالطاق أو النفق آية موسى .
وجاء في تفسير التحرير والتنوير :
وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا لما جرى ذكر قصة خلق آدم ، وأمر الله الملائكة بالسجود له ، وما عرض للشيطان من الكبر والاعتزاز بعنصره جهلا بأسباب الفضائل ، ومكابرة في الاعتراف بها وحسدا في الشرف والفضل ، فضرب بذلك مثلا لأهل الضلال عبيد الهوى [ ص: 359 ] والكبر والحسد ، أعقب تلك القصة بقصة هي مثل في ضدها ; لأن تطلب ذي الفضل والكمال للازدياد منهما وسعيه للظفر بمن يبلغه الزيادة من الكمال ، اعترافا للفاضل بفضيلته ، وفي ذلك إبداء المقابلة بين الخلقين ، ولإقامة الحجة على المماثلة والمخالفة بين الفريقين المؤمنين والكافرين ، وفي خلال ذلك تعليم وتنويه بشأن العلم والهدى ، وتربية للمتقين .
ولأن هذه السورة نزلت بسبب ما سأل المشركون ، والذين أملوا عليهم من أهل الكتاب عن قصتين ، قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين ، وقد تقضى الجواب عن القصة الأولى وما ذيلت به ، وآن أن ينتقل إلى الجواب عن القصة الثانية فتختم بذلك هذه السورة التي أنزلت لبيان القصتين ، قدمت لهذه القصة الثانية قصة لها شبه بها في أنها تطواف في الأرض لطلب نفع صالح ، وهي قصة سفر موسى عليه السلام لطلب لقاء من هو على علم لا يعلمه موسى ، وفي سوق هذه القصة تعريض بأهل الكتاب بأن الأولى لهم أن يدلوا الناس على أخبار أنبياء إسرائيل وعلى سفر لأجل تحصيل العلم والحكمة لا سفر لأجل بسط الملك والسلطان .
فجملة وإذ قال موسى معطوفة على جملة وإذ قلنا للملائكة عطف القصة على القصة ، والتقدير : واذكر إذ قال موسى لفتاه ، أي اذكر ذلك الزمن ، وما جرى فيه ، وناسبها تقدير فعل " اذكر " ; لأن في هذه القصة موعظة وذكرى كما في قصة خلق آدم .
فانتصب ( إذ ) على المفعولية به .
والفتى : الذكر الشاب ، والأنثى فتاة ، وهو مستعمل مجازا في التابع والخادم ، وتقدم عند قوله تعالى تراود فتاها في سورة يوسف .
وفتى موسى : خادمه وتابعه ، فإضافة الفتى إلى ضمير موسى على معنى الاختصاص ، كما يقال : غلامه ، وفتى موسى هو يوشع بن نون من سبط [ص: 360 ] أفرايم ، وقد قيل : إنه ابن أخت موسى ، كان اسمه الأصلي هوشع فدعاه موسى حين بعثه للتجسس في أرض كنعان يوشع ، ولعل ذلك التغير في الاسم تلطف به ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة يا أبا هر ، وفي التوراة : أن إبراهيم كان اسمه أبرام فلما أمره الله بخصال الفطرة دعاه إبراهام .
ولعل هذه التغييرات في العبرانية تفيد معاني غير معاني الأسماء الأولى ، فتكون كما دعا النبيء صلى الله عليه وسلم زيد الخيل زيد الخير .
ويوشع أحد الرجال الاثني عشر الذين بعثهم موسى عليه السلام ليتجسسوا في أرض كنعان في جهات حلب وحبرون ، ويختبروا بأس أهلها وخيرات أرضها ، ومكثوا أربعين يوما في التجسس ، وهو أحد الرجلين اللذين شجعا بني إسرائيل على دخول أرض كنعان اللذين ذكرهما القرآن في آية قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون .
كان ميلاد يوشع في حدود سنة 1463 قبل المسيح ، ووفاته في حدود سنة 1353 وعمر مائة وعشر سنين ، وكان موسى عليه السلام قد قربه إلى نفسه ، واتخذه تلميذا وخادما ، ومثل ذلك الاتخاذ يوصف صاحبه بمثل فتى أو غلام ، ومنه وصفهم الإمام محمد بن عبد الواحد المطرز النحوي اللغوي غلام ثعلب ; لشدة اتصاله بالإمام أحمد بن يحيى الشيباني الملقب بثعلب .
وكان يوشع أحد الرجلين الذين عهد إليهما موسى عليه السلام بأن يقسما الأرض بين أسباط بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام ، وأمر الله موسىبأن يعهد إلى يوشع بتدبير أمر الأمة الإسرائيلية بعد وفاة موسى عليه السلام ; فعهد إليه موسى بذلك فصار نبيئا من يومئذ ، ودبر أمر الأمة بعدموسى سبعا وعشرين سنة ، وكتاب يوشع هو أول كتب الأنبياء بعد موسى عليه السلام .
وابتدئت القصة بحكاية كلام موسى عليه السلام المقتضي تصميما على أن لا يزول عما هو فيه ، أي لا يشتغل بشيء آخر حتى يبلغ مجمع البحرين ، [ص: 361 ] ابتداء عجيبا في باب الإيجاز ، فإن قوله ذلك يدل على أنه كان في عمل نهايته البلوغ إلى مكان ، فعلم أن ذلك العمل هو سير سفر .
ويدل على أن فتاه استعظم هذه الرحلة وخشي أن تنالهما فيها مشقة تعوقهما عن إتمامها ، أو هو بحيث يستعظمها للعلم بأنها رحلة بعيدة ، وذلك شأن أسباب الأمور المهمة ، ويدل على أن المكان الذي يسير إليه مكان يجد عنده مطلبه .
و " أبرح " مضارع برح بكسر الراء ، بمعنى زال يزول ، وتقدم في سورة يوسف عليه السلام ، واستعير لا أبرح لمعنى : لا أترك ، أو لا أكف عن السير حتى أبلغ مجمع البحرين ، ويجوز أن يكون مضارع ( برح ) الذي هو فعل ناقص لا يستعمل ناقصا إلا مع النفي ، ويكون الخبر محذوفا بقرينة الكلام ، أي لا أبرح سائرا ، وعن ( الرضي ) أن حذف خبرها قليل .
وحذف ذكر الغرض الذي سار لأجله موسى عليه السلام ; لأنه سيذكر بعد ، وهو حذف إيجاز وتشويق ، له موقع عظيم في حكاية القصة ; لإخراجها عن مطروق القصص إلى أسلوب بديع الحكم والأمثال قضاء لحق بلاغة الإعجاز .
وتفصيل هذه القصة وارد في صحيح البخاري من حديث : عمرو بن دينار ويعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبيء صلى الله عليه وسلم : أن موسى عليه السلام قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ، فعتب الله عليه ; إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه : بلى ، عبدنا خضر هو أعلم منك ، قال : فأين هو ؟ قال : بمجمع البحرين ، قال موسى عليه السلام : يا رب اجعل لي علما أعلم ذلك به ، قال : تأخذ معك حوتا في مكتل ، فحيث ما فقدت الحوت فهو ثم ، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ، وقال لفتاه يوشع بن نون : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت ، قال أي فتاه : ما كلفت كثيرا ، ثم انطلق ، وانطلق بفتاه حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما ، واضطرب الحوت في المكتل [ ص: 362 ] فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا ، وموسى نائم ، فقال فتاه - وكان لم ينم - : لا أوقظه ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار الماء عليه مثل الطاق ، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كان من الغد قال موسى عليه السلام لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ، قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به أي لأن الله ميسر أسباب الامتثال لأوليائه ، فقال له فتاه : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ، قال : فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا ، فقال موسى : " ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا " قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهى إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجى ثوبا فسلم عليه موسى ، فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام الحديث .
قوله ( وأنى بأرضك السلام ) استفهام تعجب ، والكاف خطاب للذي سلم عليه فكان الخضر يظن ذلك المكان لا يوجد به قوم تحيتهم السلام ، إما لكون ذلك المكان كان خلاء ، وإما لكونه مأهولا بأمة ليست تحيتهم السلام .
وإنما أمسك الله عن الحوت جرية الماء ; ليكون آية مشهودة لموسى عليه السلام وفتاه زيادة في أسباب قوة يقينهما ، ولأن المكان لما كان ظرفا لظهور معجزات علم النبوءة ناسب أن يحف به ما هو خارق للعادة ; إكراما لنزلاء ذلك المكان .
ومجمع البحرين لا ينبغي أن يختلف في أنه مكان من أرض فلسطين ، والأظهر أنه مصب نهر الأردن في بحيرة ( طبرية ) فإنه النهر العظيم الذي يمر بجانب الأرض التي نزل بها موسى عليه السلام وقومه ، وكانت تسمى عند الإسرائيليين بحر الجليل ، فإن موسى عليه السلام بلغ إليه بعد مسير يوم وليلة راجلا ; فعلمنا أنه لم يكن مكانا بعيدا جدا ، وأراد موسى أن يبلغ ذلك المكان ; لأن الله أوحى إليه أن يجد فيه العبد الذي هو أعلم منه فجعله ميقاتا له .
[ ص: 363 ] ومعنى كون هذا العبد أعلم من موسى عليه السلام أنه يعلم علوما من معاملة الناس لم يعلمها الله لموسى ، فالتفاوت في العلم في هذا المقام تفاوت بفنون العلوم ، وهو تفاوت نسبي .
والخضر : اسم رجل صالح ، قيل : هو نبيء من أحفاد عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام ، فهو الخضر بن ملكان بن فالغ بن عابر ، فيكون ابن عم الجد الثاني لإبراهيم عليه السلام ، وقيل : الخضر لقبه ، وأما اسمه فهو ( بليا ) بموحدة أو ( إيليا ) بهمزة وتحتية .
واتفق الناس على أنه كان من المعمرين ، ثم اختلفوا في أنه لم يزل حيا اختلافا لم يبن على أدلة مقبولة متعارفة ، ولكنه مستند إلى أقوال بعضالصوفية ، وهي لا ينبغي اعتمادها ; لكثرة ما يقع في كلامهم من الرموز ، والخلط بين الحياتين الروحية والمادية ، والمشاهدات الحسية والكشفية ، وقد جعلوه رمز العلوم الباطنية كما سيأتي .
وزعم بعض العلماء أن الخضر هو ( جرجس ) : وقيل : هو من ذرية عيسو بن إسحاق ، وقيل : هو نبيء بعث بعد شعيب .
و ( جرجس ) المعنى هو المعروف باسم ( مارجرجس ) ، والعرب يسمونه : مارسرجس كما في كتاب سيبويه ، وهو من أهل فلسطين ولد في الرملةفي النصف الآخر من القرن الثالث بعد مولد عيسى عليه السلام وتوفي سنة 303 وهو من الشهداء ، وهذا ينافي كونه في زمن موسى عليه السلام .
والخضر لقب له ، أي الموصوف بالخضرة ، وهي رمز البركة ، قيل : لقب خضرا ; لأنه كان إذا جلس على الأرض اخضر ما حوله ، أي اخضر بالنبات من أثر بركته ، وفي دائرة المعارف الإسلامية ذكرت تخرصات تلصق قصة الخضر بقصص ، بعضها فارسية ، وبعضها رومانية ، وما رائده في ذلك إلا مجرد التشابه في بعض أحوال القصص ، وذلك التشابه لا تخلو عنه الأساطير والقصص ، فلا ينبغي إطلاق الأوهام وراء أمثالها .
[ ص: 364 ] والمحقق أن قصة الخضر وموسى يهودية الأصل ، ولكنها غير مسطورة في كتب اليهود المعبر عنها بالتوراة أو العهد القديم ، ولعل عدم ذكرها في تلك الكتب هو الذي أقدم ( نوفا البكالي ) على أن قال : إن موسى المذكور في هذه الآيات هو غير موسى بني إسرائيل كما ذكر ذلك في صحيح البخاري ، وأن ابن عباس كذب نوفا ، وساق الحديث المتقدم .
وقد كان سبب ذكرها في القرآن سؤال نفر من اليهود أو من لقنهم اليهود إلقاء السؤال فيها على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .
واختلف اليهود في أن صاحب الخضر هو موسى بن عمران الرسول ، وأن فتاه هو يوشع بن نون ، فقيل : نعم ، وقد تأيد ذلك بما رواه أبي بن كعبعن النبيء صلى الله عليه وسلم وقيل : هو رجل آخر اسمه موسى بن ميشا أو منسه بن يوسف بن يعقوب ، وقد زعم بعض علماء الإسلام أن الخضرلقي النبيء صلى الله عليه وسلم وعد من صحابته ، وذلك توهم ، وتتبع لخيال القصاصين ، وسمي الخضر بليا بن ملكان أو إيليا أو إلياس ، فقيل : إنالخضر هو إلياس المذكور في سورة يس .
ولا يصح أن يكون الخضر من بني إسرائيل ; إذ لا يجوز أن يكون مكلفا بشريعة موسى ويقره موسى على أفعال لا تبيحها شريعته ، بل يتعين أن يكون نبيئا موحى إليه بوحي خاص ، وعلم موسى أنه من أمة غير مبعوث موسى إليها ، ولما علم موسى ذلك مما أوحى الله إليه من قوله : بلى عبدنا خضرهو أعلم منك ، كما في حديث أبي بن كعب ، لم يصرفه عنه ما رأى من أعماله التي تخالف شريعة التوراة ; لأنه كان على شريعة أخرى ( أمة وحده ) ، وأما وجوده في أرض بني إسرائيل فهو من السياحة في العبادة ، أو أمره الله بأن يحضر في المكان الذي قدره للقاء موسى ; رفقا بموسى عليه السلام .
[ ص: 365 ] ومعنى " أو أمضي " أو أسير ، والمضي : الذهاب والسير ، والحقب بضمتين اسم للزمان الطويل ، غير منحصر المقدار ، وجمعه أحقاب .
وعطف " أمضي " على " أبلغ " بـ ( أو ) فصار المعطوف إحدى غايتين للإقلاع عن السير ، أي : إما أن أبلغ المكان أو أمضي زمنا طويلا ، ولما كان موسى لا يخامره الشك في وجود مكان هو مجمع للبحرين وإلقاء طلبته عنده ; لأنه علم ذلك بوحي من الله تعالى ، تعين أن يكون المقصود بحرف الترديد تأكيد مضيه زمنا يتحقق فيه الوصول إلى مجمع البحرين ، فالمعنى : لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين بسير قريب أو أسير أزمانا طويلة ، فإني بالغ مجمع البحرين ، وكأنه أراد بهذا تأييس فتاه من محاولة رجوعهما ، كما دل عليه قوله بعد " لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا " .
أو أراد شحذ عزيمة فتاه ; ليساويه في صحة العزم حتى يكونا على عزم متحد .
ولأن هذه السورة نزلت بسبب ما سأل المشركون ، والذين أملوا عليهم من أهل الكتاب عن قصتين ، قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين ، وقد تقضى الجواب عن القصة الأولى وما ذيلت به ، وآن أن ينتقل إلى الجواب عن القصة الثانية فتختم بذلك هذه السورة التي أنزلت لبيان القصتين ، قدمت لهذه القصة الثانية قصة لها شبه بها في أنها تطواف في الأرض لطلب نفع صالح ، وهي قصة سفر موسى عليه السلام لطلب لقاء من هو على علم لا يعلمه موسى ، وفي سوق هذه القصة تعريض بأهل الكتاب بأن الأولى لهم أن يدلوا الناس على أخبار أنبياء إسرائيل وعلى سفر لأجل تحصيل العلم والحكمة لا سفر لأجل بسط الملك والسلطان .
فجملة وإذ قال موسى معطوفة على جملة وإذ قلنا للملائكة عطف القصة على القصة ، والتقدير : واذكر إذ قال موسى لفتاه ، أي اذكر ذلك الزمن ، وما جرى فيه ، وناسبها تقدير فعل " اذكر " ; لأن في هذه القصة موعظة وذكرى كما في قصة خلق آدم .
فانتصب ( إذ ) على المفعولية به .
والفتى : الذكر الشاب ، والأنثى فتاة ، وهو مستعمل مجازا في التابع والخادم ، وتقدم عند قوله تعالى تراود فتاها في سورة يوسف .
وفتى موسى : خادمه وتابعه ، فإضافة الفتى إلى ضمير موسى على معنى الاختصاص ، كما يقال : غلامه ، وفتى موسى هو يوشع بن نون من سبط [ص: 360 ] أفرايم ، وقد قيل : إنه ابن أخت موسى ، كان اسمه الأصلي هوشع فدعاه موسى حين بعثه للتجسس في أرض كنعان يوشع ، ولعل ذلك التغير في الاسم تلطف به ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة يا أبا هر ، وفي التوراة : أن إبراهيم كان اسمه أبرام فلما أمره الله بخصال الفطرة دعاه إبراهام .
ولعل هذه التغييرات في العبرانية تفيد معاني غير معاني الأسماء الأولى ، فتكون كما دعا النبيء صلى الله عليه وسلم زيد الخيل زيد الخير .
ويوشع أحد الرجال الاثني عشر الذين بعثهم موسى عليه السلام ليتجسسوا في أرض كنعان في جهات حلب وحبرون ، ويختبروا بأس أهلها وخيرات أرضها ، ومكثوا أربعين يوما في التجسس ، وهو أحد الرجلين اللذين شجعا بني إسرائيل على دخول أرض كنعان اللذين ذكرهما القرآن في آية قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون .
كان ميلاد يوشع في حدود سنة 1463 قبل المسيح ، ووفاته في حدود سنة 1353 وعمر مائة وعشر سنين ، وكان موسى عليه السلام قد قربه إلى نفسه ، واتخذه تلميذا وخادما ، ومثل ذلك الاتخاذ يوصف صاحبه بمثل فتى أو غلام ، ومنه وصفهم الإمام محمد بن عبد الواحد المطرز النحوي اللغوي غلام ثعلب ; لشدة اتصاله بالإمام أحمد بن يحيى الشيباني الملقب بثعلب .
وكان يوشع أحد الرجلين الذين عهد إليهما موسى عليه السلام بأن يقسما الأرض بين أسباط بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام ، وأمر الله موسىبأن يعهد إلى يوشع بتدبير أمر الأمة الإسرائيلية بعد وفاة موسى عليه السلام ; فعهد إليه موسى بذلك فصار نبيئا من يومئذ ، ودبر أمر الأمة بعدموسى سبعا وعشرين سنة ، وكتاب يوشع هو أول كتب الأنبياء بعد موسى عليه السلام .
وابتدئت القصة بحكاية كلام موسى عليه السلام المقتضي تصميما على أن لا يزول عما هو فيه ، أي لا يشتغل بشيء آخر حتى يبلغ مجمع البحرين ، [ص: 361 ] ابتداء عجيبا في باب الإيجاز ، فإن قوله ذلك يدل على أنه كان في عمل نهايته البلوغ إلى مكان ، فعلم أن ذلك العمل هو سير سفر .
ويدل على أن فتاه استعظم هذه الرحلة وخشي أن تنالهما فيها مشقة تعوقهما عن إتمامها ، أو هو بحيث يستعظمها للعلم بأنها رحلة بعيدة ، وذلك شأن أسباب الأمور المهمة ، ويدل على أن المكان الذي يسير إليه مكان يجد عنده مطلبه .
و " أبرح " مضارع برح بكسر الراء ، بمعنى زال يزول ، وتقدم في سورة يوسف عليه السلام ، واستعير لا أبرح لمعنى : لا أترك ، أو لا أكف عن السير حتى أبلغ مجمع البحرين ، ويجوز أن يكون مضارع ( برح ) الذي هو فعل ناقص لا يستعمل ناقصا إلا مع النفي ، ويكون الخبر محذوفا بقرينة الكلام ، أي لا أبرح سائرا ، وعن ( الرضي ) أن حذف خبرها قليل .
وحذف ذكر الغرض الذي سار لأجله موسى عليه السلام ; لأنه سيذكر بعد ، وهو حذف إيجاز وتشويق ، له موقع عظيم في حكاية القصة ; لإخراجها عن مطروق القصص إلى أسلوب بديع الحكم والأمثال قضاء لحق بلاغة الإعجاز .
وتفصيل هذه القصة وارد في صحيح البخاري من حديث : عمرو بن دينار ويعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبيء صلى الله عليه وسلم : أن موسى عليه السلام قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ، فعتب الله عليه ; إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه : بلى ، عبدنا خضر هو أعلم منك ، قال : فأين هو ؟ قال : بمجمع البحرين ، قال موسى عليه السلام : يا رب اجعل لي علما أعلم ذلك به ، قال : تأخذ معك حوتا في مكتل ، فحيث ما فقدت الحوت فهو ثم ، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ، وقال لفتاه يوشع بن نون : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت ، قال أي فتاه : ما كلفت كثيرا ، ثم انطلق ، وانطلق بفتاه حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما ، واضطرب الحوت في المكتل [ ص: 362 ] فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا ، وموسى نائم ، فقال فتاه - وكان لم ينم - : لا أوقظه ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار الماء عليه مثل الطاق ، فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كان من الغد قال موسى عليه السلام لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ، قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به أي لأن الله ميسر أسباب الامتثال لأوليائه ، فقال له فتاه : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ، قال : فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا ، فقال موسى : " ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا " قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهى إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجى ثوبا فسلم عليه موسى ، فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام الحديث .
قوله ( وأنى بأرضك السلام ) استفهام تعجب ، والكاف خطاب للذي سلم عليه فكان الخضر يظن ذلك المكان لا يوجد به قوم تحيتهم السلام ، إما لكون ذلك المكان كان خلاء ، وإما لكونه مأهولا بأمة ليست تحيتهم السلام .
وإنما أمسك الله عن الحوت جرية الماء ; ليكون آية مشهودة لموسى عليه السلام وفتاه زيادة في أسباب قوة يقينهما ، ولأن المكان لما كان ظرفا لظهور معجزات علم النبوءة ناسب أن يحف به ما هو خارق للعادة ; إكراما لنزلاء ذلك المكان .
ومجمع البحرين لا ينبغي أن يختلف في أنه مكان من أرض فلسطين ، والأظهر أنه مصب نهر الأردن في بحيرة ( طبرية ) فإنه النهر العظيم الذي يمر بجانب الأرض التي نزل بها موسى عليه السلام وقومه ، وكانت تسمى عند الإسرائيليين بحر الجليل ، فإن موسى عليه السلام بلغ إليه بعد مسير يوم وليلة راجلا ; فعلمنا أنه لم يكن مكانا بعيدا جدا ، وأراد موسى أن يبلغ ذلك المكان ; لأن الله أوحى إليه أن يجد فيه العبد الذي هو أعلم منه فجعله ميقاتا له .
[ ص: 363 ] ومعنى كون هذا العبد أعلم من موسى عليه السلام أنه يعلم علوما من معاملة الناس لم يعلمها الله لموسى ، فالتفاوت في العلم في هذا المقام تفاوت بفنون العلوم ، وهو تفاوت نسبي .
والخضر : اسم رجل صالح ، قيل : هو نبيء من أحفاد عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام ، فهو الخضر بن ملكان بن فالغ بن عابر ، فيكون ابن عم الجد الثاني لإبراهيم عليه السلام ، وقيل : الخضر لقبه ، وأما اسمه فهو ( بليا ) بموحدة أو ( إيليا ) بهمزة وتحتية .
واتفق الناس على أنه كان من المعمرين ، ثم اختلفوا في أنه لم يزل حيا اختلافا لم يبن على أدلة مقبولة متعارفة ، ولكنه مستند إلى أقوال بعضالصوفية ، وهي لا ينبغي اعتمادها ; لكثرة ما يقع في كلامهم من الرموز ، والخلط بين الحياتين الروحية والمادية ، والمشاهدات الحسية والكشفية ، وقد جعلوه رمز العلوم الباطنية كما سيأتي .
وزعم بعض العلماء أن الخضر هو ( جرجس ) : وقيل : هو من ذرية عيسو بن إسحاق ، وقيل : هو نبيء بعث بعد شعيب .
و ( جرجس ) المعنى هو المعروف باسم ( مارجرجس ) ، والعرب يسمونه : مارسرجس كما في كتاب سيبويه ، وهو من أهل فلسطين ولد في الرملةفي النصف الآخر من القرن الثالث بعد مولد عيسى عليه السلام وتوفي سنة 303 وهو من الشهداء ، وهذا ينافي كونه في زمن موسى عليه السلام .
والخضر لقب له ، أي الموصوف بالخضرة ، وهي رمز البركة ، قيل : لقب خضرا ; لأنه كان إذا جلس على الأرض اخضر ما حوله ، أي اخضر بالنبات من أثر بركته ، وفي دائرة المعارف الإسلامية ذكرت تخرصات تلصق قصة الخضر بقصص ، بعضها فارسية ، وبعضها رومانية ، وما رائده في ذلك إلا مجرد التشابه في بعض أحوال القصص ، وذلك التشابه لا تخلو عنه الأساطير والقصص ، فلا ينبغي إطلاق الأوهام وراء أمثالها .
[ ص: 364 ] والمحقق أن قصة الخضر وموسى يهودية الأصل ، ولكنها غير مسطورة في كتب اليهود المعبر عنها بالتوراة أو العهد القديم ، ولعل عدم ذكرها في تلك الكتب هو الذي أقدم ( نوفا البكالي ) على أن قال : إن موسى المذكور في هذه الآيات هو غير موسى بني إسرائيل كما ذكر ذلك في صحيح البخاري ، وأن ابن عباس كذب نوفا ، وساق الحديث المتقدم .
وقد كان سبب ذكرها في القرآن سؤال نفر من اليهود أو من لقنهم اليهود إلقاء السؤال فيها على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .
واختلف اليهود في أن صاحب الخضر هو موسى بن عمران الرسول ، وأن فتاه هو يوشع بن نون ، فقيل : نعم ، وقد تأيد ذلك بما رواه أبي بن كعبعن النبيء صلى الله عليه وسلم وقيل : هو رجل آخر اسمه موسى بن ميشا أو منسه بن يوسف بن يعقوب ، وقد زعم بعض علماء الإسلام أن الخضرلقي النبيء صلى الله عليه وسلم وعد من صحابته ، وذلك توهم ، وتتبع لخيال القصاصين ، وسمي الخضر بليا بن ملكان أو إيليا أو إلياس ، فقيل : إنالخضر هو إلياس المذكور في سورة يس .
ولا يصح أن يكون الخضر من بني إسرائيل ; إذ لا يجوز أن يكون مكلفا بشريعة موسى ويقره موسى على أفعال لا تبيحها شريعته ، بل يتعين أن يكون نبيئا موحى إليه بوحي خاص ، وعلم موسى أنه من أمة غير مبعوث موسى إليها ، ولما علم موسى ذلك مما أوحى الله إليه من قوله : بلى عبدنا خضرهو أعلم منك ، كما في حديث أبي بن كعب ، لم يصرفه عنه ما رأى من أعماله التي تخالف شريعة التوراة ; لأنه كان على شريعة أخرى ( أمة وحده ) ، وأما وجوده في أرض بني إسرائيل فهو من السياحة في العبادة ، أو أمره الله بأن يحضر في المكان الذي قدره للقاء موسى ; رفقا بموسى عليه السلام .
[ ص: 365 ] ومعنى " أو أمضي " أو أسير ، والمضي : الذهاب والسير ، والحقب بضمتين اسم للزمان الطويل ، غير منحصر المقدار ، وجمعه أحقاب .
وعطف " أمضي " على " أبلغ " بـ ( أو ) فصار المعطوف إحدى غايتين للإقلاع عن السير ، أي : إما أن أبلغ المكان أو أمضي زمنا طويلا ، ولما كان موسى لا يخامره الشك في وجود مكان هو مجمع للبحرين وإلقاء طلبته عنده ; لأنه علم ذلك بوحي من الله تعالى ، تعين أن يكون المقصود بحرف الترديد تأكيد مضيه زمنا يتحقق فيه الوصول إلى مجمع البحرين ، فالمعنى : لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين بسير قريب أو أسير أزمانا طويلة ، فإني بالغ مجمع البحرين ، وكأنه أراد بهذا تأييس فتاه من محاولة رجوعهما ، كما دل عليه قوله بعد " لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا " .
أو أراد شحذ عزيمة فتاه ; ليساويه في صحة العزم حتى يكونا على عزم متحد .
وفي تفسير ابن كثير :
وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ( 60 ) فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ( 61 ) (فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ( 62 ) قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ( 63 ) قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ( 64 ) فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ( 65 ) ) . سبب قول موسى [ عليه السلام ] لفتاه - وهو يوشع بن نون - هذا الكلام : أنه ذكر له أن عبدا من عباد الله بمجمع البحرين ، عنده من العلم ما لم يحط به موسى ، فأحب الذهاب إليه ، وقال لفتاه ذلك : ( لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين ) أي لا أزال سائرا حتى أبلغ هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين ، قال الفرزدق :
[ ص: 174 ]
فما برحوا حتى تهادت نساؤهم ببطحاء ذي قار عياب اللطائم
قال قتادة وغير واحد : وهما بحر فارس مما يلي المشرق ، وبحر الروم مما يلي المغرب .
وقال محمد بن كعب القرظي : مجمع البحرين عند طنجة ، يعني في أقصى بلاد المغرب ، فالله أعلم .
وقوله : ( أو أمضي حقبا ) أي : ولو أني أسير حقبا من الزمان .
قال ابن جرير ، رحمه الله : ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب أن الحقب في لغة قيس سنة . ثم قد روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال : الحقب ثمانون سنة . وقال مجاهد : سبعون خريفا . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( أو أمضي حقبا ) قال : دهرا . وقال قتادة ، وابن زيد ، مثل ذلك .
وقوله : ( فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما ) ، وذلك أنه كان قد أمر بحمل حوت مملوح معه ، وقيل له : متى فقدت الحوت فهو ثمة . فسارا حتى بلغا مجمع البحرين ؛ وهناك عين يقال لها : " عين الحياة " ، فناما هنالك ، وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء فاضطرب ، وكان في مكتل معيوشع [ عليه السلام ] ، وطفر من المكتل إلى البحر ، فاستيقظ يوشع ، عليه السلام ، وسقط الحوت في البحر وجعل يسير فيه ، والماء له مثل الطاق لا يلتئم بعده ؛ ولهذا قال : ( فاتخذ سبيله في البحر سربا ) أي : مثل السرب في الأرض .
قال ابن جريج : قال ابن عباس : صار أثره كأنه حجر .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : جعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة .
وقال محمد - [ هو ] ابن إسحاق - عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر حديث ذلك : " ما انجاب ماء منذ كان الناس غيره ثبت مكان الحوت الذي فيه ، فانجاب كالكوة حتى رجع إليه موسى فرأى مسلكه " ، فقال : ( ذلك ما كنا نبغ ) .
وقال قتادة : سرب من البر ، حتى أفضى إلى البحر ، ثم سلك فيه فجعل لا يسلك فيه طريقا إلا جعل ماء جامدا .
وقوله : ( فلما جاوزا ) أي المكان الذي نسيا الحوت فيه ، ونسب النسيان إليهما وإن كان يوشع [ ص: 175 ] هو الذي نسيه ، كقوله تعالى : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) [ الرحمن : 22 ] ، وإنما يخرج من المالح في أحد القولين .
فلما ذهبا عن المكان الذي نسياه فيه مرحلة ) قال ) موسى ( لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) أي : الذي جاوزا فيه المكان ( نصبا )يعني : تعبا . قال : ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ) قال قتادة : وقرأ ابن مسعود : [ " وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان ] ؛ ولهذا قال : ( واتخذ سبيله ) أي : طريقه ( في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ ) أي : هذا الذي نطلب ( فارتدا ) أي : رجعا (على آثارهما ) أي طريقهما ( قصصا ) أي : يقصان أثر مشيهما ، ويقفوان أثرهما .
( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) وهذا هو الخضر ، عليه السلام ، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . بذلك قال البخاري :
حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار ، أخبرني سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضرليس هو موسى صاحب بني إسرائيل . قال ابن عباس : كذب عدو الله ، حدثنا أبي بن كعب - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ قال : أنا . فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه : إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك . فقال موسى : يا رب ، وكيف لي به ؟ قال : تأخذ معك حوتا ، تجعله بمكتل ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثم . فأخذ حوتا ، فجعله بمكتل ثم انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نون عليهما السلام ، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما ، واضطرب الحوت في المكتل ، فخرج منه ، فسقط في البحر واتخذ سبيله في البحر سربا ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء ، فصار عليه مثل الطاق . فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : ( آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) ولم يجد موسىالنصب حتى جاوزا المكان الذي أمره الله به . قال له فتاه : ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ) قال : " فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا ، فقال : ( ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ) . قال : " فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجى بثوب ، فسلم عليه موسى ، فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام! . قال : أنا موسى . قال : موسىبني إسرائيل ؟ قال : نعم ، أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا . ( قال إنك لن تستطيع معي صبرا ) ، يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه ، لا تعلمه أنت ، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا [ ص: 176 ] أعلمه . فقال موسى : ( ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ) قال له الخضر : ( فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ) .
فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ، فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوه ، فعرفوا الخضر ، فحملوهم بغير نول ، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضرقد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال له موسى : قد حملونا بغير نول ، فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها ؟ لقد جئت شيئا إمرا . ( قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ) قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كانت الأولى من موسى نسيانا " . قال : وجاء عصفور فنزل على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ، [ أو نقرتين ] فقال له الخضر : ما علمي وعلمك في علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر .
ثم خرجا من السفينة ، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر رأسه [ بيده ] فاقتلعه بيده فقتله ، فقال له موسى : ( أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ) ؟ ! قال : " وهذه أشد من الأولى " ، ( قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ) قال : مائل . فقال الخضر بيده : ( فأقامه ) ، فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا ، ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما " .
قال سعيد بن جبير : كان ابن عباس يقرأ : " وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا " وكان يقرأ : " وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين " .
ثم رواه البخاري عن قتيبة ، عن سفيان بن عيينة . . . فذكر نحوه ، وفيه : " فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ، ومعهما الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة ، فنزلا عندها - قال : فوضع موسى رأسه فنام - قال سفيان : وفي حديث غير عمرو قال : وفي أصل الصخرة عين يقال لها : الحياة ، لا يصيب من مائها شيء إلا حيي : فأصاب الحوت من ماء تلك العين ، قال ، فتحرك وانسل من المكتل ، فدخل البحر ، فلما استيقظ قال موسى لفتاه : (آتنا غداءنا ) كذا قال : وساق الحديث . ووقع عصفور على حرف السفينة ، فغمس منقاره في البحر ، فقال الخضر لموسى : ما علمي [ ص: 177 ]وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره وذكر تمامه بنحوه .
وقال البخاري أيضا : حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام بن يوسف ، أن ابن جريج أخبرهم قال : أخبرني يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار ، عنسعيد بن جبير - يزيد أحدهما على صاحبه - وغيرهما قد سمعته يحدث عن سعيد بن جبير قال : إنا لعند ابن عباس في بيته ، إذ قال : سلوني . فقلت : أي أبا عباس ، جعلني الله فداك ، بالكوفة رجل قاص ، يقال له : " نوف " يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل - أما عمرو فقال لي : قال : كذب عدو الله! وأما يعلى فقال لي : قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " موسى رسول الله ، ذكر الناس يوما ، حتى إذا فاضت العيون ، ورقت القلوب ، ولى فأدركه رجل فقال : أي رسول الله ، هل في الأرض أحد أعلم منك ؟ قال : لا . فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله ، قيل : بلى قال : أي رب ، وأين ؟ قال : بمجمع البحرين . قال : أي رب ، اجعل لي علما أعلم ذلك به " . قال لي عمرو : قال : حيث يفارقك الحوت ، وقال لي يعلى : خذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح . فأخذ حوتا فجعله في مكتل ، فقال لفتاه : لا أكلفك إلا أن تخبرني حيث يفارقك الحوت ، قال ما كلفت كبيرا . فذلك قوله : ( وإذ قال موسى لفتاه ) يوشع بن نون ، ليست عند سعيد بن جبير ، قال : " فبينا هو في ظل صخرة في مكان ثريان إذ تضرب الحوت وموسى نائم فقال فتاه : لا أوقظه ، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره ، وتضرب الحوت حتى دخل البحر ، فأمسك الله عنه جرية الماء حتى كأن أثره في حجر " . [ قال : فقال لي عمرو : هكذا كأن أثره في حجر ] ، وحلق بين إبهاميه والتي تليهما : ( لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) قال : " وقد قطع الله عنك النصب " ليست هذه عند سعيد - أخبره ، فرجعا فوجدا خضرا . قال : قال عثمان بن أبي سليمان : على طنفسة خضراء على كبد البحر . قال سعيد بن جبير : مسجى بثوب ، قد جعل طرفه تحت رجليه ، وطرفه تحت رأسه ، فسلم عليه موسى ، فكشف عن وجهه ، وقال : هل بأرض من سلام ؟ من أنت ؟ قال أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم . قال : فما شأنك ؟ قال : جئتك لتعلمني مما علمت رشدا . قال : يكفيك التوراة بيدك ، وأن الوحي يأتيك! . يا موسى ، إن لي علما لا ينبغي لك أن تعلمه ، وإن لك علما لا ينبغي لي أن أعلمه . فأخذ طائر بمنقاره من البحر [ فقال : والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر ] ، حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغارا تحمل أهل هذا الساحل إلى هذا الساحل الآخر عرفوه ، فقالوا : عبد الله الصالح ؟ . قال فقلنا لسعيد : خضر ؟ قال : نعم . لا نحمله بأجر . فخرقها ، ووتد فيها وتدا . قال موسى : ( أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ) . [ ص: 178 ] قال مجاهد : منكرا . قال : ( ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ) كانت الأولى نسيانا ، والوسطى شرطا ، والثالثة عمدا ( قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا ) . حتى لقيا غلاما فقتله . قال يعلى : قالسعيد ، وجد غلمانا يلعبون ، فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ، ثم ذبحه بالسكين ، فقال : ( أقتلت نفسا زكية ) لم تعمل بالحنث . وابن عباس قرأها (زكية ) - " زاكية " مسلمة ، كقولك : غلاما زكيا فانطلقا ، فوجدا جدارا يريد أن ينقض فأقامه ، قال [ سعيد ] بيده هكذا ، ورفع يده فاستقام - قال يعلى : حسبت أن سعيدا قال : فمسحه بيده فاستقام - قال : ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) قال سعيد : أجرا نأكله ( وكان وراءهم ملك ) وكان أمامهم ، قرأهاابن عباس : " أمامهم ملك " يزعمون عن غير سعيد أنه هدد بن بدد ، والغلام المقتول اسمه - يزعمون - جيسور ( ملك يأخذ كل سفينة غصبا )فأردت إذا هي مرت به أن يدعها بعيبها ، فإذا جاوزه أصلحوها فانتفعوا بها . ومنهم من يقول : سدوها بقارورة . ومنهم من يقول : بالقار . ( فكان أبواه مؤمنين ) وكان كافرا ، ( فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ) . أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه ( فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة ) كقوله : ( أقتلت نفسا زكية ) ، ( وأقرب رحما ) : هما به أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر . وزعم غير سعيد بن جبير أنهما أبدلا جارية . وأماداود بن أبي عاصم فقال عن غير واحد : إنها جارية .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : خطب موسى ، عليه السلام ، بني إسرائيل فقال : ما أحد أعلم بالله وبأمره مني . فأمر أن يلقى هذا الرجل . فذكر نحو ما تقدم بزيادة ونقصان ، والله أعلم .
وقال محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن سعيد بن جبير قال : جلست عند ابن عباس وعنده نفر من أهل الكتاب فقال بعضهم : يا أبا العباس ، إن نوفا ابن امرأة كعب ، يزعم عن كعب أن موسى النبي الذي طلب العالم إنما هو موسى بن ميشا ؟ قال سعيد : فقال ابن عباس : أنوف يقول هذا ؟ قال سعيد : فقلت له : نعم ، أنا سمعت نوفا يقول ذلك . قال : أنت سمعته يا سعيد ؟ قال : قلت : نعم . قال : كذب نوف . ثم قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال : أي رب ، إن كان في عبادك أحد هو أعلم مني ، فدلني عليه . فقال له : نعم ، في عبادي من هو أعلم منك . ثم نعت له مكانه وأذن له في لقيه . فخرج موسى ومعه فتاه ، ومعه حوت مليح ، قد قيل له : إذا حيي هذا الحوت في مكان ، فصاحبك هنالك ، وقد أدركت حاجتك . فخرج موسى ومعه فتاه ، ومعه ذلك الحوت يحملانه ، فسار حتى جهده السير ، وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ، وذلك الماء ماء الحياة ، من [ ص: 179 ] شرب منه خلد ، ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي . فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي ( فاتخذ سبيله في البحر سربا ) فانطلقا فلما جاوز منقلبه قال : موسى لفتاه : ( آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) قال الفتى - وذكر - : ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ) . قالابن عباس : فظهر موسى على الصخرة حتى إذا انتهيا إليها ، فإذا رجل متلفف في كساء له ، فسلم موسى ، فرد عليه العالم ثم قال له : ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل ؟ . قال له موسى : جئتك لتعلمني مما علمت رشدا ( قال إنك لن تستطيع معي صبرا ) وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك - فقال موسى : بلى . قال : ( وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ) ؟ أي : إنما تعرف ظاهر ما ترى من العدل ، ولم تحط من علم الغيب بما أعلم . ( قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ) وإن رأيت ما يخالفني ، قال : ( فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء ) [ وإن أنكرته ] ( حتى أحدث لك منه ذكرا ) : فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس ، يلتمسان من يحملهما ، حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة ، لم يمر بهما من السفن أحسن ولا أكمل ولا أوثق منها . فسألا أهلها أن يحملوهما ، فحملوهما ، فلما اطمأنا فيها ولججت بهما مع أهلها ، أخرج منقارا له ومطرقة ، ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها . ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ، ثم جلس عليها يرقعها ، فقال : له موسى - ورأى أمرا أفظع به - : (أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ) أي : بما تركت من عهدك ، ( ولا ترهقني من أمري عسرا ) . ثم خرجا من السفينة فانطلقا ، حتى أتيا أهل قرية ، فإذا غلمان يلعبون خلفها ، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أثرى ولا أوضأ منه ، فأخذه بيده ، وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله ، قال : فرأى موسى أمرا فظيعا لا صبر عليه ، صبي صغير قتله لا ذنب له قال : ( أقتلت نفسا زكية ) أي صغيرة ( بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ) أي : قد أعذرت في شأني . ( فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ) ، فهدمه ثم قعد يبنيه ، فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف ، وما ليس عليه صبر ، قال : ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) أي : قد استطعمناهم فلم يطعمونا ، وضفناهم فلم يضيفونا ، ثم قعدت تعمل من غير صنيعة ، ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عمله ؟ . قال : ( هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) - وفي قراءة أبي بن كعب : " كل سفينة صالحة " - وإنما عبتها لأرده عنها ، فسلمت حين رأى [ ص: 180 ] العيب الذي صنعت بها . ( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ) أي : ما فعلته عن نفسي ، ( ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ) وكان ابن عباس يقول : ما كان الكنز إلا علما .
وقال العوفي ، عن ابن عباس قال : لما ظهر موسى وقومه على مصر ، أنزل قومه ، فلما استقرت بهم الدار ، أنزل الله : أن ذكرهم بأيام الله فخطب قومه ، فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعمة ، وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون ، وذكرهم هلاك عدوهم ، وما استخلفهم الله في الأرض ، وقال : كلم الله نبيكم تكليما ، واصطفاني لنفسه ، وأنزل علي محبة منه ، وآتاكم الله من كل ما سألتموه ؛ فنبيكم أفضل أهل الأرض ، وأنتم تقرءون التوراة ، فلم يترك نعمة أنعمها عليهم إلا وعرفهم إياها . فقال له رجل من بني إسرائيل : هم كذلك يا نبي الله ، قد عرفنا الذي تقول ، فهل على الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله ؟ قال : لا . فبعث الله جبرائيل إلى موسى ، عليهما السلام ، فقال : إن الله [ عز وجل ] يقول : وما يدريك أين أضع علمي ؟ بلى . إن على شط البحر رجلا هو أعلم منك - قال ابن عباس : هو الخضر - فسأل موسى ربه أن يريه إياه ، فأوحى إليه : أن ائت البحر ، فإنك تجد على شط البحر حوتا ، فخذه فادفعه إلى فتاك ، ثم الزم شط البحر ، فإذا نسيت الحوت وهلك منك ، فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب . فلما طال سفر موسى نبي الله ونصب فيه ، سأل فتاه عن الحوت ، فقال له فتاه وهو غلامه : ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره )لك ، قال الفتى : لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا فأعجب ذلك موسى ، فرجع حتى أتى الصخرة ، فوجد الحوت ، فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى ، وجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء يتبع الحوت ، وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس ، حتى يكون صخرة ، فجعل نبي الله يعجب من ذلك ، حتى انتهى به الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر ، فلقي الخضر بها فسلم عليه ، فقال الخضر : وعليك السلام ، وأنى يكون السلام بهذه الأرض ؟ ومن أنت ؟ قال : أنا موسى . فقال الخضر : أصاحب بني إسرائيل ؟ [ قال : نعم ] فرحب به وقال : ما جاء بك ؟ قال جئتك ( على أن تعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا ) يقول : لا تطيق ذلك . قال موسى ( ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ) قال : فانطلق به ، وقال له : لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه ، فذلك قوله : ( حتى أحدث لك منه ذكرا )
وقال الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس : أنه تمارى هو [ ص: 181 ] والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى ، فقال ابن عباس : هو خضر . فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال : إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه ، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه ؟ قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بينا موسىفي ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال : تعلم مكان رجل أعلم منك ؟ قال : لا ؛ فأوحى الله إلى موسى بلى عبدنا خضر . فسأل موسى السبيل إلى لقيه فجعل الله له الحوت آية وقيل له : إذا فقدت الحوت [ فهو ثمة ] فارجع ، فإنك ستلقاه . فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر . فقال فتى موسىلموسى : ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت ) قال موسى ( ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ) فوجدا عبدنا خضرا فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه .
هذا والله أعلم ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق